للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَوْ تِلَالٍ أَوْ آكَامٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، يَعْنِي انْحَدَرَتَا بِالسُّهُولَةِ فِي صَيِّبٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُنْحَدَرُ الْمُنْخَفِضُ مِنْهَا، وَالِانْصِبَابُ الِانْسِكَابُ أَيْ حَتَّى بَلَغَتَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ إِلَى أَرْضٍ مُنْخَفِضَةٍ (ثُمَّ سَعَى) أَيْ عَدَا يَعْنِي سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا، كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ الْمِشْكَاةِ، وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ نُسَخٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ إِسْقَاطُ كَلِمَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ رَمَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي بَطْنِ الْوَادِي، كَمَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَفِي الْمُوَطَّأِ سَعَى بَدَلَ رَمَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ رَمَلَ بِمَعْنَى سَعَى، لَا أَنَّ سَعَى بِمَعْنَى رَمَلَ (حَتَّى إِذَا صَعِدْنَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَأَمَّا مَا فِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْغَيْرِ فَتَصْحِيفٌ، أَيِ ارْتَفَعَتْ قَدَمَاهُ عَنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَفِي نُسْخَةٍ أَصْعَدَتَا بِالْهَمْزِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: إِذَا صَعِدَتْ قَدَمَاهُ قَالَ شَارِحٌ: أَيْ أَخَذَتْ قَدَمَاهُ فِي الصُّعُودِ وَالْإِصْعَادُ الذَّهَابُ فِي الْأَرْضِ وَالْإِبْعَادُ فِي صُعُودٍ أَوْ حُدُورٍ اهـ.

وَفِي الْقَامُوسِ صَعِدَ فِي السُّلَّمِ كَسَمِعَ وَصَعِدَ فِي الْجَبَلِ، وَعَلَيْهِ تَصْعِيدًا وَلَمْ يُسْمَعْ صَعِدَ فِيهِ، وَأَصْعَدَ فِي الْأَرْضِ مَضَى، وَفِي الْوَادِي انْحَدَرَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِصْعَادُ الذَّهَابُ فِي الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَمَعْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ ارْتِفَاعُ الْقَدَمَيْنِ عَنْ بَطْنِ الْوَادِي إِلَى الْمَكَانِ الْعَالِي، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ أَيْ دَخَلَتْ فِي الْحُدُورِ اهـ.

وَبِهَذِهِ النُّقُولِ يَتَبَيَّنُ تَرْجِيحُ نُسْخَةِ أَصْعَدَتَا بِالْهَمْزِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، (مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ) أَيْ مِثْلَ فِعْلِهِ (عَلَى الصَّفَا) مِنَ الرُّقِيِّ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ مَشَى وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْعَ رَاكِبًا، وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ حَيْثُ لَا عُذْرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " وَأَمَّا رُكُوبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: ( «إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرُّكُوبَ فِي السَّعْيِ سُنَّةٌ، فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، إِنَّ مُحَمَّدًا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّدٌ هَذَا مُحَمَّدٌ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، وَكَانَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ» ) فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ: بَلْ يُسَاعِدُهُ وَيُعَاضِدُهُ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سَعْيِهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ رَاكِبًا لِيَسْمَعُوا كَلَامَهُ، وَيَرَوْا مَكَانَهُ، وَلَا تَمَسُّهُ الْأَيْدِي لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ عَنْهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ) تَامَّةٌ أَيْ وَجَدَ (آخِرُ طَوَافٍ) أَيْ سَعْيٍ (عَلَى الْمَرْوَةِ) مُتَعَلِّقٌ بَكَانَ (قَالَ) جَوَابُ إِذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (فَقَالَ) بِزِيَادَةِ الْفَاءِ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (نَادَى وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ فَقَالَ) فَلَا أَصْلَ لَهُ (لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ) أَيْ لَوْ عَلِمْتُ فِي قَبْلُ (مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ) أَيْ مَا عَلِمْتُهُ فِي دُبُرٍ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى لَوْ ظَهَرَ لِي هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي رَأَيْتُهُ الْآنَ: لَأَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِي، وَابْتِدَاءِ خُرُوجِي (لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ) بِضَمِّ السِّينِ يَعْنِي لَمَا جَعَلْتُ عَلَيَّ هَدْيًا وَأَشْعَرْتُهُ وَقَلَّدْتُهُ وَسُقْتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَإِنَّهُ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ، وَلَا يَنْحَرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسُقْ إِذْ يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَجْعَلُ التَّمَتُّعَ أَفْضَلَ، وَقِيلَ: رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ مَا أَمَرَهُمْ لِلْإِفْضَاءِ إِلَى النِّسَاءِ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (قَالُوا: نَأْتِي عَرَفَةَ وَتَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا (وَجَعَلْتُهَا) أَيِ الْحَجَّةَ (عُمْرَةً) أَيْ جَعَلْتُ إِحْرَامِي بِالْحَجِّ مَصْرُوفًا إِلَى الْعُمْرَةِ: كَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مُوَافَقَةً (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ) الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنْ أَفْرَدْتُ الْحَجَّ وَسُقْتُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ (لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِّ وَكَسْرِهَا، وَتُشَدَّدُ الْيَاءُ مَعَ الْكَسْرَةِ، وَتُخَفَّفُ مَعَ الْفَتْحِ (فَلْيَحِلَّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ لِيَصِرْ حَلَالًا، وَلِيَخْرُجْ مِنْ إِحْرَامِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (وَلْيَجْعَلْهَا) أَيِ الْحَجَّةَ (عُمْرَةً) إِذْ قَدْ أُبِيحَ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْإِحْرَامَ لِلْحَجِّ، وَالْوَاوُ لِمُطْلِقِ الْجَمْعِ، إِذِ الْجَعْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخُرُوجِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَعْلِ الْفَسْخُ، وَهُوَ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ، أَوِ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. إِنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>