إِسْمَاعِيلَ وَأَنَّهُ كَيْفَ يَصْنَعُ حَتَّى جَزَمَ عَزْمَهُ يَوْمَ الْعَاشِرِ بِذَبْحِهِ (تَوَجَّهُوا) أَيْ أَرَادُوا التَّوَجُّهَ (إِلَى مِنًى) يُنَوَّنُ وَقِيلَ لَا يُنَوَّنُ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ يُمْنَى الدِّمَاءُ فِي أَيَّامِهَا، أَيْ يُرَاقُ وَيُسْفَكُ أَوْ لِأَنَّهُ يُعْطَى الْحُجَّاجُ مُنَاهُمْ بِإِكْمَالِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِيهَا (فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ) أَيْ أَحْرَمَ بِهِ مَنْ كَانَ خَرَجَ عَنْ إِحْرَامِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ (وَرَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَسَارَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى (فَصَلَّى بِهَا) أَيْ بِمِنًى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ (الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ وَالْفَجْرَ) أَيْ فِي أَوْقَاتِهَا (ثُمَّ مَكَثَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، أَيْ لَبَثَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَجْرِ (قَلِيلًا) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِسْفَارِ الْفَجْرِ (حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى رَكِبَ أَوْ حَالٌ، أَيْ وَقَدْ أَمَرَ بِضَرْبِ خَيْمَةٍ (مِنْ شَعَرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا (تُضْرَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ، مَوْضِعٌ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إِذَا أَرَادَ الْمَوْقِفَ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: جَبَلٌ قَرِيبٌ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَيْسَ مِنْهَا (فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ مِنْ مِنًى إِلَيْهَا (وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ) أَيْ لِلْحَجِّ (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ وَلَمْ يَشُكُّوا فِي أَنَّهُ يُخَالِفُهُمْ فِي الْمَنَاسِكِ: بَلْ تَيَقَّنُوا بِهَا إِلَّا فِي الْوُقُوفِ فَإِنَّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ كَانُوا يَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ جَبَلٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُحَدِّثِينِ وَقِيلَ إِنَّهُ كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) وَيَقُولُونَ نَحْنُ حَمَامُ الْحَرَمِ فَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَافِقُهُمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَرِيحًا أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا، وَسَارَ مِنْ طَرِيقِ ضَبَّ وَهُوَ جَبَلٌ مُتَّصِلٌ بِثَبِيرٍ وَهِيَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَلَى يَمِينِكَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى عَرَفَةَ (حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ) أَيْ قَارَبَهَا (فَوَجَدَ الْقُبَّةَ) أَيِ الْخَيْمَةَ الْمَعْهُودَةَ (قَدْ ضُرِبَتْ) أَيْ بُنِيَتْ (لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا) أَيْ بِالْخَيْمَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ بِالْخَيْمَةِ وَنَحْوِهَا، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي مِثْلِ هَوْدَجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (حَتَّى إِذَا زَاغَتِ) أَيْ نَزَلَ بِهَا وَاسْتَمَرَّ فِيهَا حَتَّى إِذَا مَالَتِ (الشَّمْسُ) وَزَالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ إِلَى جَانِبِ الْغَرْبِ (أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ) أَيْ بِإِحْضَارِهَا (فَرُحِلَتْ لَهُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا، أَيْ شُدَّ الَّذِي عَلَيْهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَتَى) أَيْ فَرَكِبَهَا فَأَتَى (بَطْنَ الْوَادِي) مَوْضِعٌ بِعَرَفَاتٍ يُسَمَّى عُرَنَةَ وَلَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَمِنْهَا بَعْضُ مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْجُودِ الْيَوْمَ، وَاخْتُلِفَ فِي مُحْدِثِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَهُ مُصَلًّى، وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ الْقُبَيْسِيُّ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ أَحَدُ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ كَانَ فِي أَوَّلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَيْ فَنُسِبَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ بَانِيَهُ أَوْ مُجَدِّدَهُ (فَخَطَبَ النَّاسَ) أَيْ وَعَظَهُمْ وَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ الْأُولَى لِتَعْرِيفِهِمُ الْمَنَاسِكَ وَالْحَثِّ عَلَى كَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِعَرَفَةَ، وَالثَّانِيَةُ قَصِيرَةٌ جِدًّا لِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إِذَا قَامَ إِلَيْهَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِيَفْرَغَا مَعًا كَمَا بَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ) أَيْ تَعَرُّضَهَا (حَرَامٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ لَيْسَ لِبَعْضِكُمْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِبَعْضٍ فَيُرِيقَ دَمَهُ أَوْ يَسْلُبَ مَالَهُ (كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا) يَعْنِي تَعَرُّضَ بَعْضِكُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيْامِ كَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهُمَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ (فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) أَيْ ذِي الْحِجَّةِ (فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) أَيْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ، وَفِيهِ تَأْكِيدٌ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ حُرْمَةِ الزَّمَانِ وَاحْتِرَامِ الْمَكَانِ فِي تَشْبِيهِ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَفًّا وَنَشْرًا مُشَوَّشًا بِأَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ النَّفْسِ كَحُرْمَةِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَكَانِهِ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ غَادٍ وَرَائِحٍ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قُوَّةِ حُرْمَةٍ النَّفْسِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْبَلَدِ مُؤَبَّدَةٌ وَحُرْمَةَ الزَّمَانِ مُؤَقَّتَةٌ، وَمَعَ هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِهَا نَسْخُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لَهَا بَلْ مُشَبَّهَةٌ بِهَا، وَالتَّشْبِيهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلِهَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: شَبَّهَ فِي التَّحْرِيمِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْبَلَدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute