لَا يُسْتَبَاحُ فِيهِمْ شَيْءٌ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (كُلُّ شَيْءٍ) أَيْ فَعَلَهُ أَحَدُكُمْ (مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (تَحْتَ قَدَمَيَّ) بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِفْرَادِ وَالْأَوَّلُ أَدَلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ (مَوْضُوعٌ) أَيْ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ تَحْتَ الْقَدَمِ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ إِبْطَالِهِ، وَالْمَعْنَى عَفَوْتُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَعَلَهُ رَجُلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَتَجَافَيْتُ عَنْهُ، حَتَّى صَارَ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ تَحْتَ الْقَدَمِ، تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي لَا تَكَادُ تُرَاجِعُهُ وَتَذْكُرُهُ: جَعَلْتُ ذَلِكَ دُبُرَ أُذُنِي وَتَحْتَ قَدَمَيَّ (وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ) أَيْ مَتْرُوكَةٌ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، أَعَادَهَا لِلِاهْتِمَامِ أَوْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ (وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ) أَيْ أَضَعُهُ وَأَتْرُكُهُ (مِنْ دِمَائِنَا) أَيِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ مِنْ دِمَائِنَا أَنَّ الْمُرَادَ دِمَاءُ أَقَارِبِنَا وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: ابْتَدَأَ فِي وَضْعِ الْقَتْلِ وَالدِّمَاءِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ: لِيَكُونَ أَمْكَنَ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ، وَأَسَدَّ لِبَابِ الطَّمَعِ بِتَرَخُّصٍ فِيهِ (دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ) اسْمُهُ إِيَاسُ (ابْنِ الْحَارِثِ) أَيِ ابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ، تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، أَيْ كَانَ لِابْنِهِ ظِئْرٌ تُرْضِعُهُ (فِي بَنِي سَعْدٍ) وَصَحَّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ خَطَّأَهُمْ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ إِضَافَةُ الدَّمِ إِلَى رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ دَمُ قَتِيلِ رَبِيعَةَ اعْتِمَادًا عَلَى اشْتِهَارِ الْقِصَّةِ (فَقَتَلَهُ) أَيِ ابْنَ رَبِيعَةَ (هُذَيْلٌ) وَكَانَ طِفْلًا صَغِيرًا يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فِي حَرْبِ بَنِي سَعِدٍ مَعَ قَبِيلَةِ هُذَيْلٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ (وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) يُرِيدُ أَمْوَالَهُمُ الْمَغْصُوبَةَ وَالْمَنْهُوبَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الرِّبَا تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مَعْقُولٌ فِي صُورَةِ مَشْرُوعٍ، وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَأَوَّلُ رِبًا) أَيْ زَائِدٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ (أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) قِيلَ إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ رِبَانَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْخَبَرُ وَقَوْلُهُ (فَإِنَّهُ) أَيِ الرِّبَا أَوْ رِبَا عَبَّاسٍ (مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ، وَالْمُرَادُ الزَّائِدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: ٢٧٩] وَلِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ) أَيْ فِي حَقِّهِنَّ وَالْفَاءُ فَصِيحَةٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي رِوَايَةِ الْمَصَابِيحِ بِالْوَاوِ وَكِلَاهُمَا سَدِيدٌ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا سَبَقَ، مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَفِي نَهْبِ الْأَمْوَالِ وَفِي النِّسَاءِ (فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا (بِأَمَانَةِ اللَّهِ) أَيْ بِعَهْدِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ (وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) أَيْ بِشَرْعِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَانْكِحُوا "، وَقِيلَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: أَيْ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَفِي نُسْخَةٍ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ) أَيْ مِنَ الْحُقُوقِ (أَنْ لَا يُوطِئْنَ) بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ (فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَنَازِلَ الْأَزْوَاجِ، وَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ (فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ) أَيِ الْإِيطَاءَ الْمَذْكُورَ (فَاضْرِبُوهُنَّ) قِيلَ الْمَعْنَى: لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ، فَيَتَحَدَّثُ إِلَيْهِنَّ، وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ انْتَهَوْا عَنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا كِنَايَةً عَنِ الزِّنَا وَإِلَّا كَانَ عُقُوبَتَهُنَّ الرَّجْمُ دُونَ الضَّرْبِ (ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُجَرِّحٍ أَوْ شَدِيدٍ شَاقٍّ (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ) مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَفِي مَعْنَاهُ سُكْنَاهُنَّ (وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) بِاعْتِبَارِ حَالِكُمْ فَقْرًا وَغِنًى أَوْ بِالْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِنَ التَّوَسُّطِ الْمَمْدُوحِ (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا) أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ (لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَرْكِي إِيَّاهُ فِيكُمْ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (إِنَّ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute