(كِتَابَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِمَا فِي التَّفْسِيرِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ تَفْخِيمٌ لِشَأْنِ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ، وَبِهَا اقْتَصَرَ عَلَى الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩] وَقَوْلِهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] فَيَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِالسُّنَّةِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْأَصِيلَ هُوَ الْكِتَابُ (وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ عَنْ تَبْلِيغِي وَعَدَمِهِ (فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) أَيْ فِي حَقِّي (قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ) أَيِ الرِّسَالَةَ (وَأَدَّيْتَ) أَيِ الْأَمَانَةَ (وَنَصَحْتَ) أَيِ الْأُمَّةَ (فَقَالَ) أَيْ أَشَارَ (بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ) بِالْجَرِّ وَأُخْتَيْهِ مِنَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (يَرْفَعُهَا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَالَ أَيْ رَافِعًا إِيَّاهَا أَوْ مِنَ السَّبَّابَةِ أَيْ مَرْفُوعَةً (إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ، أَيْ يُشِيرُ بِهَا (إِلَى النَّاسِ) كَالَّذِي يَضْرِبُ بِهَا الْأَرْضَ، وَالنَّكْتُ ضَرْبُ رَأْسِ الْأَنَامِلِ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْمُوَحَّدَةِ فِي النِّهَايَةِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ يُمِيلُهَا إِلَيْهِمْ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ.
قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهُوَ بَعِيدُ الْمَعْنَى قَالَ: قِيلَ صَوَابُهُ يَنْكُبُهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ قَالَ: وَرُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) أَيْ عَلَى عِبَادِكَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنْتَ إِذْ كَفَى بِكَ شَهِيدًا (اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَتَلَفَّظَ الرَّاوِي بِاللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَوْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ مَرَّةً ثُمَّ يَقُولَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ) أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهَذَا الْجَمْعُ كَجَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ جَمْعُ نُسُكٍ عِنْدَنَا، وَجَمْعُ سَفَرٍ عَنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ (وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ كَيْلَا يُبْطِلَ الْجَمْعَ، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَاجِبَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي عِبَارَتِهِ مَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلِيلًا لِلْمُوَالَاةِ لَا مُعَلِّلًا بِبُطْلَانِ الْجَمْعِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ (ثُمَّ رَكِبَ) أَيْ وَسَارَ (حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ) أَيْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ، أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ مَوْقِفُهُ الْخَاصُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ) بِالْجَرِّ وَأُخْتَيْهِ (إِلَى الصَّخَرَاتِ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَحْجَارِ الْكِبَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُنَّ حَجَرَاتٌ مُفْتَرِشَاتٌ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْقِفُ الْمُسْتَحَبُّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلْيَقْرُبْ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِصُعُودِ الْجَبَلِ وَتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إِلَّا فِيهِ فَغَلَطٌ، وَالصَّوَابُ جَوَازُ الْوُقُوفِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَأَمَّا وَقْتُ الْوُقُوفِ فَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَدْخُلُ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ (وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، وَرُوِيَ بِالْجِيمِ وَفَتَحِ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْحَدِيثِ، وَحَبْلُ الْمُشَاةِ مُجْتَمَعُهُمْ وَحَبْلُ الرَّمْلِ مَا طَالَ مِنْهُ، وَأَمَّا بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ طَرِيقُهُمْ وَحَيْثُ تَسْلُكُ الرَّجَّالَةُ اهـ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: بِالْحَاءِ، أَيْ طَرِيقُهُمُ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ فِي الرَّمْلِ.
وَقَالَ التُّورِبِشِتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: حَبْلُ الْمُشَاةِ مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ رَمْلٍ مُرْتَفِعٍ كَالْكُثْبَانِ، وَقِيلَ: الْجَبَلُ الرَّمْلُ الْمُسْتَطِيلُ، وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى الْمُشَاةِ لِأَنَّهَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهَا إِلَّا الْمَاشِي، أَوْ لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهَا تَرَقِّيًا مِنْهُ مَوَاقِفَ الرُّكَّابِ، وَدُونَ حَبْلِ الْمُشَاةِ وَدُونَ الصَّخَرَاتِ اللَّاصِقَةِ بِسَفْحِ الْجَبَلِ مَوْقِفُ الْإِمَامِ، وَبِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى الْوُقُوفَ (وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا) أَيْ قَائِمًا بِرُكْنِ الْوُقُوفِ رَاكِبًا عَلَى النَّاقَةِ (حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ أَكْثَرُهَا أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ (وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا) أَيْ ذَهَابًا قَلِيلًا (حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) أَيْ جَمِيعُهُ، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، قِيلَ صَوَابُهُ: حِينَ غَابَ الْقُرْصُ وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ لَا يَظْهَرُ مَعْنًى لِقَوْلِهِ ذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ وَكَأَنَّ الْقَائِلَ غَفَلَ عَنْ قَيْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute