الْعِلَّةِ وَذُهِلَ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي تُطَابِقُ الدِّرَايَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونَ بَيَانًا لِلْغَيْبُوبَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تُطْلَقُ عَلَى مُعْظَمِ الْقُرْصِ (وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ) أَيْ أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ (وَدَفَعَ) أَيِ ارْتَحَلَ وَمَضَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيِ ابْتَدَأَ السَّيْرَ وَدَفَعَ نَفْسَهُ وَنَحَّاهَا أَوْ دَفَعَ نَاقَتَهُ وَحَمَلَهَا عَلَى السَّيْرِ (حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَنَقَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ أَيْ ضَمَّ (وَضَيَّقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى أَنَّ رَأْسَهَا لِيُصِيبَ مَوْرِكَ رِجْلِهِ) بِالْجِيمِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَالْمَوْرِكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَثْنِي الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عَلَيْهِ قُدَّامَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ إِذَا مَلَّ مِنَ الرُّكُوبِ، وَضَبَطَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ: وَهُوَ قِطْعَةُ أَدَمٍ يَتَوَرَّكُ عَلَيْهَا الرَّاكِبُ، تُجْعَلُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَقُولُ: بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، بِالنَّصْبِ أَيِ الْزَمُوهَا (كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ التَّلِّ اللَّطِيفِ مِنَ الرَّمْلِ (أَرْخَى لَهَا) أَيْ لِلنَّاقَةِ (قَلِيلًا) أَيْ إِرْخَاءً قَلِيلًا أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا (حَتَّى تَصْعَدَ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَضَمِّهَا يُقَالُ صَعِدَ فِي الْجَبَلِ وَأَصْعَدَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} [آل عمران: ١٥٣] ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، قِيلَ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَجِيءِ النَّاسِ إِلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ سَاعَاتٍ قَرِيبَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير: ١٣] أَيْ قَرُبَتْ، وَأَمَّا ازْدِحَامُ النَّاسِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ فَبِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَفَاسِدُ صَرِيحَةٌ (فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) أَيْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ (بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَبِهِ قَالَتِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا سَيَأْتِي (وَلَمْ يُسَبِّحْ) أَيْ لَمْ يُصَلِّ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهُمَا سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَالْوِتْرَ لِقَوْلِهِ (ثُمَّ اضْطَجَعَ) أَيْ لِلنَّوْمِ بَعْدَ رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ (حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ) تَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ وَرَحْمَةً لِلْأُمَّةِ، وَلِأَنَّ فِي نَهَارِهِ عِبَادَاتٍ كَثِيرَةً يَحْتَاجُ إِلَى النَّشَاطِ فِيهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ ( «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ أَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» ) فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْيِيَهُ بِالذِّكْرِ وَالْفِكْرِ دُونَ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ مُطَابِقًا لِلسُّنَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ إِحْيَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا، ثُمَّ الْمَبِيتُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَجِلَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: النُّزُولُ وَاجِبٌ وَالْمَبِيتُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الْوُقُوفُ بَعْدَهُ ثُمَّ الْمَبِيتُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِحُضُورِ لَحْظَةٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ (فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ) أَيْ طَلَعَ الْفَجْرُ (بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ بِغَلَسٍ (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) مَوْضِعٌ خَاصٌّ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِبِنَاءٍ مَعْلُومٍ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْعِبَادِ، وَالْمَشَاعِرُ الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ فِيهَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ يُكْسَرُ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى رَقِيَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُقَدِّمُ ضَعْفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ هِيَ (فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ فَكَبَّرَهُ) أَيْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ (وَهَلَّلَهُ) أَيْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (وَوَحَدَهُ) أَيْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. . . إِلَخْ. (فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا) أَيْ أَضَاءَ الْفَجْرُ إِضَاءَةً تَامَّةً (فَدَفَعَ) أَيْ ذَهَبَ إِلَى مِنًى (قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ) أَيْ بَدَلَ أُسَامَةَ (حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَالتَّحَسُّرُ الْإِعْيَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤] سُمِّيَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حَسَرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا، وَكُلٌّ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ وَإِنَّمَا أَصَابَهُمُ الْعَذَابُ قُبَيْلَ الْحَرَمِ قُرْبَ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا وَاحِدٌ أَخْبَرَ مَنْ وَرَاءَهُمْ، فَقِيلَ حِكْمَةُ الْإِسْرَاعِ فِيهِ نُزُولُ نَارٍ فِيهِ عَلَى مَنِ اصْطَادَ فِيهِ، وَلِذَا يُسَمِّي أَهْلُ مَكَّةَ هَذَا الْوَادِي وَادِي النَّارِ.
وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَتَى دِيَارَ ثَمُودَ أَسْرَعَ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِسْرَاعِ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، أَوْ مُخَالَفَةَ النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ فِيهِ، فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ فِيهِ بَدَلَ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَعْدَهُ زِيَادَةً عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute