للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ: إِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» ". وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ: إِنَّ السَّعْيَ تَطَوُّعٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٥٨] الْآيَةَ. فَالْأَوْسَطُ الْأَعْدَلُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَالْجَوَابُ: إِنَّا قُلْنَا بِمُوجَبِهِ إِذْ مِثْلُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى إِفَادَةِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا الرُّكْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ بِهِ، فَإِثْبَاتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الْمَكْتُوبِ الْجَرْيُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِ الْوَادِي إِذَا رَجَعْتَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا، اتَّفَقَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُمْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْجَرْيِ الشَّدِيدِ الْمَسْنُونِ، لَمَّا وَصَلَ إِلَى مَحَلِّهِ شَرْعًا أَعْنِي بَطْنَ الْوَادِي، وَلَا يُسَنُّ جَرْيٌ شَدِيدٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ إِنَّمَا هُوَ مَشْيٌ فِيهِ شِدَّةٌ وَتَصَلُّبٌ، ثُمَّ قِيلَ فِي سَبَبِ شَرْعِيَّةِ الْجَرْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي: أَنَّ هَاجَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا تَرَكَهَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَطِشَتْ، فَخَرَجَتْ تَطْلُبُ الْمَاءَ وَهِيَ تُلَاحِظُ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَوْفًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، تَغَيَّبَ عَنْهَا، فَسَعَتْ لِتُسْرِعَ الصُّعُودَ مِنْهُ فَتَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَجُعِلَ ذَلِكَ نُسُكًا إِظْهَارًا لِتَشَرُّفِهِمَا، وَتَفْخِيمًا لِأَمْرِهِمَا.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ الشَّيْطَانُ لَهُ عِنْدَ السَّعْيِ، فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا سَعَى سَيِّدُنَا وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارًا لِلْمُشْرِكِينَ النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ فِي الْوَادِي الْجَلَدَ، وَمَحْمَلُ هَذَا الْوَجْهِ مَا كَانَ مِنَ السَّعْيِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَهُ كَالرَّمَلِ، إِذْ لَمْ يَبْقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُشْرِكٌ بِمَكَّةَ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنْ لَا يُشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ مِنَ الرَّمْيِ، وَغَيْرِهِ، بَلْ هِيَ أُمُورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ يُحَالُ الْعِلْمُ فِيهَا إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمَسْعَى: هُوَ الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَيْهِ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا تَوَهَّمَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَدَبَّرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>