الْفَصْلُ الثَّانِي
٢٦١٢ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ، وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حِينَ تَكُونُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ. وَإِنَّا لَا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَنَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَالشِّرْكِ» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ فِيهِ: " خَطَبَنَا " وَسَاقَهُ بِنَحْوِهِ.
ــ
٢٦١٢ - (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ. (قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: غَيْرَ قُرَيْشٍ (كَانُوا يَدْفَعُونَ) أَيْ: يَرْجِعُونَ (مِنْ عَرَفَةَ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ) الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تَكُونُ " وَجُمْلَةُ التَّشْبِيهِ مُعْتَرِضَةٌ قَبْلَ (قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) : بِضَمِّ الرَّاءِ، ظَرْفٌ لِـ " يَدْفَعُونَ " أَوْ بَدَلٌ مِنْ " حِينَ ". قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَيْ: حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي وُجُوهِهِمْ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُحَاذِي وُجُوهَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَلَى رُءُوسِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي مُوَاجَهَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ الْغُرُوبِ إِنَّمَا يَقَعُ ضَوْءُهَا عَلَى مَا يُقَابِلُهَا، وَلَمْ تَعُدْ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِنَ الرَّأْسِ لِانْحِطَاطِهَا، وَكَذَا وَقْتَ الطُّلُوعِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِعَمَائِمِ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ بَيْنَ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، لَمْ يُصِبْهُ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ إِلَّا الشَّيْءُ الَّذِي يَلْمَعُ فِي جَبِينِهِ لَمَعَانَ بَيَاضِ الْعِمَامَةِ، وَالظِّلُّ يَسْتُرُ بَقِيَّةَ وَجْهِهِ، وَبَدَنِهِ، فَالنَّاظِرُ إِلَيْهِ يَجِدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ فَوْقَ الْجَبِينِ، وَالْإِضَافَةُ فِي عَمَائِمَ لِمَزِيدِ التَّوْضِيحِ كَمَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نِسَاءِ الْأَعْرَابِ، فَإِنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مَا يُشْبِهُ الْعَمَائِمَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ) أَيْ: يَرْجِعُونَ (بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حِينَ تَكُونُ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: شَبَّهَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّوْءِ عَلَى الْوَجْهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ حِينَ مَا دَنَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْأُفُقِ بِالْعِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْمَعُ فِي وَجْهِهِ لَمَعَانَ بَيَاضِ الْعِمَامَةِ (وَإِنَّا لَا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) ، فَيُكْرَهُ النَّفْرُ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاجِبٌ (وَنَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) أَيْ: عِنْدَ الْإِسْفَارِ ; فَيُكْرَهُ الْمُكْثُ بِهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ اتِّفَاقًا (هَدْيُنَا) أَيْ: سِيرَتُنَا وَطَرِيقَتُنَا (مُخَالِفٌ لِهَدْيِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ) أَيِ: الْأَصْنَامِ (وَالشِّرْكِ) أَيْ: أَهْلِهِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: لِهَدْيِ الْأَوْثَانِ، وَالشِّرْكِ. قَالَ شَارِحُهُ: الْمُرَادُ سِيرَةُ أَهْلِهِمَا، وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا ; كَالْآمِرِينَ لَهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ، وَاتَّخَذُوهُ سَبِيلًا اهـ.
وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي الْمُخَالَفَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَرْكِ الْمُوَافَقَةِ حُصُولُ الْإِطَالَةِ لِلْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ بِالْإِجْمَاعِ دُونَ وُقُوفِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَسُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (رَوَاهُ) . كَذَا فِي الْأَصْلِ بَيَاضٌ هُنَا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ كَتَبَ فِي الْهَامِشِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْ: فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ، وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ: " خَطَبَنَا " وَسَاقَهُ بِنَحْوِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ اعْتِرَاضًا عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute