للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٦١٣ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ - أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - عَلَى حُمُرَاتٍ، فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: " أُبَيْنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

٢٦١٣ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: أَرْسَلَنَا قُدَّامَهُ، أَوْ أَمَرَنَا بِالتَّقَدُّمِ إِلَى مِنًى (لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَقَدُّمِ النِّسْوَانِ، وَالصِّبْيَانِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ الِانْتِصَافِ اهـ. وَكَوْنُهُ بَعْدَ الِانْتِصَافِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ. (أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) أَيْ: صِبْيَانَهُمْ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الصِّبْيَانِ عَلَى النِّسْوَانِ، وَهُوَ تَصْغِيرٌ شَاذٌّ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ غِلْمَةٍ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - غُلَيْمَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ أَغْلِمَةٍ جَمْعِ غُلَامٍ قِيَاسًا، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ، وَالْمُسْتَعْمَلُ غِلْمَةٌ فِي الْقِلَّةِ، وَالْغِلْمَانُ فِي الْكَثْرَةِ، وَنَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ ضَمِيرِ " قَدَّمَنَا " وَ (عَلَى حُمُرَاتٍ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حُمُرٍ جَمْعِ حِمَارٍ رَاكِبِينَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْحِمَارِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ فِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ (فَجَعَلَ) أَيْ: فَشَرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَلْطَحُ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ: يَضْرِبُ (أَفْخَاذَنَا) : وَاللَّطْحُ: الضَّرْبُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لَيْسَ بِالتَّشْدِيدِ تَلَطُّفًا (وَيَقُولَ: أُبَيْنِيَّ) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ النُّونِ، وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَيُكْسَرُ - تَصْغِيرُ ابْنٍ، مُضَافٌ إِلَى النَّفْسِ، أَوْ بَعْدَ جَمْعِهِ جَمْعَ السَّلَامَةِ، إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ هَمْزَتَهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ التَّصْغِيرَ يَرُدُّ الشَّيْءَ إِلَى أَصْلِهِ مِثْلَ الْجَمْعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ} [الكهف: ٤٦] فَأَصْلُ ابْنٍ بَنُو، فَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْعَجُزِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: بَنِيَّ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَلْتَبِسُ بِالْمُفْرَدِ زِيدَ الْهَمْزَةَ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: تَصْغِيرُ ابْنَا يَعْنِي كَانَ مُفْرَدُهُ مَقْطُوعَ الْأَلِفِ، فَصُغِّرَ عَلَى أُبَيْنٍ، ثُمَّ جُمِعَ جَمْعَ السَّلَامَةِ، وَقِيلَ: ابْنَى بِوَزْنِ أَعْمَى، قُلِبَتْ أَلِفُهُ يَاءً لِكَسْرِ مَا بَعْدَ يَاءِ التَّصْغِيرِ، وَأُضِيفَتْ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ: تَصْغِيرُ ابْنَى: بِفَتْحٍ، فَسُكُونٍ، فَفَتْحٍ، فَتَشْدِيدٍ، كَمَا أَنَّ تَصْغِيرَ أَعْمَى أُعَيْمَى، وَفِي " النِّهَايَةِ ": قِيلَ ابْنٌ يُجْمَعُ عَلَى أَبْنَاءٍ مَقْصُورًا، وَمَمْدُودًا، وَقِيلَ: تَصْغِيرُ ابْنٍ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.

وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ هَمْزَتَهُ وَصْلِيَّةٌ، وَالتَّصْغِيرُ يُرْجِعُ الشَّيْءَ إِلَى أَصْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، أَوْ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُ مُفْرَدٌ، مَا بَعْدَهُ جَمْعٌ، فَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ، أَوِ النِّدَاءُ لِلْأَشْرَفِ أَصَالَةً، وَالْخِطَابُ لِلْبَقِيَّةِ تَبَعًا، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] الْآيَةَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي لَفْظَةٍ مُتَّحِدَةٍ، وَالدِّرَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ، فَقَوْلُ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: هَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِي لَفْظِهِ، مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي تَحْقِيقِ مُقْتَضَاهُ، وَتَدْقِيقِ فَحْوَاهُ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ: يَا وُلَيْدَاتِي، أَوْ يَا أَبْنَائِي، أَوْ يَا بَنِيَّ (لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ) أَيْ: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) : وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الرَّمْيِ فِي اللَّيْلِ، وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَكْثَرُونَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالتَّقْيِيدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ، وَمَا قَبْلَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>