للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْوَرَعِ، وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ مُتَقَدِّمٌ، فَالْوَرَعُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَجْتَنِبَهُ، فَإِنَّهُ إِذْ لَمْ يَتْرُكْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ جَرَّ ذَلِكَ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، فَلَوْ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالْوَرَعُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ، وَلَا عَلَيْهِ إِنْ تَنَاوَلَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مُعَامَلَةُ مَنْ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ أَوْ خَالَطَهُ رِبًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا، وَلَا يَحْكُمَ بِفَسَادِهَا مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ بِشَعِيرٍ أَخْذَهُ لِقُوتِ أَهْلِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ يُرْبُونَ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ وَيَسْتَحِلُّونَ أَثْمَانَ الْخُمُورِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْأَلُ السَّلَاطِينَ فَإِنْ أَعْطَوْكَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُصِيبُونَ مِنَ الْحَلَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطُونَكَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ لَمْ يَقْبَلُوا جَوَائِزَ السُّلْطَانِ، فَقِيلَ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ؟ قَالَ: قَدْ رَدَّهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدٌ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ السَّلَاطِينَ فِي زَمَانِنَا هَذَا ظُلَمَةٌ، قَلَّمَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهِ بِحَقِّهِ، فَلَا تَحِلُّ مُعَامَلَتُهُمْ وَلَا مُعَامَلَةُ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ حَتَّى الْقَاضِي، وَلَا التِّجَارَةُ الَّتِي فِي الْأَسْوَاقِ الَّتِي بَنَوْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُ الرُّبَطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنَاطِرِ الَّتِي بَنَوْهَا بِالْأَمْوَالِ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا. وَرَوَى ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنْتُ لَيْلَةً مَعَ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ فَرَأَى نَارًا مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَارُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِنَا فِي طَرِيقٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَسْتَضِيءُ بِنَارِهِمْ، قُلْتُ: وَمَا أَنْسَبُ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: ١١٣] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>