٢٩٠٩ - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ. فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ". قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٢٩٠٩ - (وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا) : أَيْ: جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ (عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا (فَقَالُوا) : أَيْ: أَوْلِيَاؤُهَا أَوْ أَصْحَابُهُ (صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟) : أَيْ حَقٌّ مَالِيٌّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ (فَقَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهَا) : أَيْ عَلَى الْجِنَازَةِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ ( «ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: " هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا» ) : وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَلْهَمَهُ بِأَنَّ مَا تَرَكَهُ يَفِي دَيْنَهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ أَنَّهُ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا يَفِي بِدَيْنِهِ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَجَابُوا بِنِعَمْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمِقْدَارِ الْمَسْطُورِ أَزْيَدَ مِنَ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ نَوْعًا مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ (ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِتْيَانُ الْجِنَازَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيَّامٍ وَمَجَالِسَ وَجَمَعَهَا الرَّاوِي فِي الرِّوَايَةِ لِتَبْيِينِ الدِّرَايَةِ (فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟) : أَيْ: يَفِي بِدَيْنِهِ (قَالُوا: لَا) : يُحْتَمَلُ احْتِمَالَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَصْلًا، أَوْ تَرَكَ شَيْئًا لَكِنَّهُ غَيْرُ وَافٍ. (قَالَ: صَلُّوا) : أَيْ: أَنْتُمْ (عَلَى صَاحِبِكُمْ) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرُهَ: " وَامْتِنَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ الَّذِي لَمْ يَدَعْ وَفَاءً ; إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنِ الدَّيْنِ، وَالزَّجْرِ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الْأَدَاءِ، أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يُوقَفَ دُعَاؤُهُ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَمَظَالِمِهِمْ.
(قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: " يَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَبِالِاتِّفَاقِ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حُرٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَهُ "، قَالَ الطِّيبِيُّ: " وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ "، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: " تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ كِفَايَةٌ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ السَّاقِطِ بَاطِلَةٌ، وَالْحَدِيثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ، وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْفِعْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا لَا كَفَالَةَ، وَكَانَ امْتِنَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لَهُ طَرِيقُ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلَمَّا ظَهَرَ صَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute