للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ عَيْبٌ جَازَ ذِكْرُهُ لِئَلَّا يَقَعَ الزَّوْجُ فِي مَشَقَّةٍ، قِيلَ: فَقْرُهُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ وَلَمْ يُعْطِ ابْنَهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا أَسْلَمَ، وَهَذَا مَرْدُودٌ إِذْ صُرِّحَ فِي الْمَوَاهِبِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَاهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِشُحِّ وَالِدِهِ كَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ كَانَ شَحِيحًا عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ حَالُ الْكُفْرِ؟ (انْكِحِي) : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: تَزَوَّجِي (أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: فَكَرِهْتُهُ) : أَيِ: ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِ مَوْلًى أَسْوَدَ جِدًّا، وَإِنَّمَا أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِكَاحِ أُسَامَةَ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَحُسْنِ طَرَائِقِهِ وَكَرْمِ شَمَائِلِهِ، فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ.

(ثُمَّ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: " انِكِحِي أُسَامَةَ " فَنَكَحْتُهُ) : وَإِنَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهَا الْحَثَّ عَلَى زَوَاجِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَتْ: (فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ) : أَيْ: فَقَدَّرَ فِي أُسَامَةَ وَصُحْبَتِهِ (خَيْرًا) : أَيْ: كَثِيرًا (وَاغْتَبَطْتُ) : أَيْ: بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ أَيْ: صِرْتُ ذَاتَ غِبْطَةٍ بِحَيْثُ اغْتَبَطَتْنِي النِّسَاءُ لِحَظٍّ كَانَ لِي مِنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: اغْتَبَطْتُ بِهِ، يُقَالُ: غَبَطْتُهُ بِمَا نَالَ أَغْبِطُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَاغْتَبَطَ هُوَ يَمْنَعُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسَهُ فَاحْتَبَسَ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْغِبْطَةُ بِالْكَسْرِ حُسْنُ الْحَالِ وَالْمَسَرَّةُ، وَقَدِ اغْتَبَطَ، وَالْحَسَدُ كَالْغِبْطَةِ وَقَدْ غَبَطَهُ كَضَرَبَهُ وَسَمِعَهُ تَمَنَّى نِعْمَةً عَلَى أَنْ لَا تَتَحَوَّلَ عَنْ صَاحِبِهَا، وَالِاغْتِبَاطُ التَّبَجُّحُ بِالْحَالِ الْحَسَنِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَالَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ، وَعَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ أَهْلِهِ وَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنِهُمَا. قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَعَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ. قُلْتُ: هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ بِخِطْبَةِ الْغَيْرِ. قَالَ: وَعَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ فَاطِمَةَ هَذِهِ كَانَتْ قُرَشِيَّةً، وَأُسَامَةُ مِنَ الْمَوَالِي، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَدَمَ رِضَا الْأَوْلِيَاءِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَزَلْ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لِنِكَاحِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] .

(وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا) : أَيْ: عَنْ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورَةِ (فَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضِرَّابٌ) : أَيْ: كَثِيرُ الضَّرْبِ (لِلنِّسَاءِ) : تَعْنِي وَلَا كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ تَصْبِرُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِمُسْلِمٍ (أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) : وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ابْتِدَاءً، أَوْ أَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا نَفَقَةَ لَكِ) : أَيْ: زِيَادَةً عَلَى أَيَّامِ الْعِدَّةِ (إِلَّا أَنَّ تَكُونِي حَامِلًا) : أَيْ: فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ جَارِيَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>