للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: ١] فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا رُفِعَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ قَائِلُهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟ وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى» " وَقُصَارَى مَا هُنَا أَنْ تُعَارِضَ رِوَايَتُهَا رِوَايَتَهُ، فَأَيُّ الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا؟ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إِذَا ذُكِرَ عَلَيْهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ قَالَ: مَا كُنَّا نُغَيِّرُ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، فَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الدِّينُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، فَيَنْزِلُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الشَّاذِّ، وَالثِّقَةُ إِذَا شَذَّ لَا يُقْبَلُ مَا شَذَّ فِيهِ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ مَرْوَانَ: سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وُجِدَ عَلَيْهَا النَّاسُ، وَالنَّاسُ إِذْ ذَاكَ هُمُ الصَّحَابَةُ، فَهَذَا فِي الْمَعْنَى حِكَايَةُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَوَصْفُهُ بِالْعِصْمَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرَيْ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ، فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. فَقُلْتُ: أَلَمْ تَسْمَعِي إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَوْ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ، هَذَا غَايَةُ الْإِنْكَارِ حَيْثُ نَفَتِ الْحُكْمَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْلَمَ بِأَحْوَالِ النِّسَاءِ، فَقَدْ كُنَّ يَأْتِينَ مَنْزِلَهَا وَيَسْتَفْتِينَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَثُرَ وَتَكَرَّرَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إِنَّمَا أَخْرَجَكِ هَذَا اللِّسَانُ، تَعْنِي أَنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحِمَائِهَا فَأَخْرَجَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ ثُبُوتُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ احْتَجَّ بِهِ وَهُوَ مُعَاصِرُ عَائِشَةَ، وَكَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَيْثُ قَالَ: خُرُوجُ فَاطِمَةَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ، وَمِمَّنْ رَدَّهُ زَوْجُهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ: كَانَ أُسَامَةُ إِذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنَ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ، اهـ.

هَذَا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَعْرَفَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَقَلَهَا عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ حِينَ بَنَى بِهَا، هَذَا لَمْ يَكُنْ قَطْعًا، إِلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهَا، أَوْ لِعِلْمِهِ بِخُصُوصِ سَبَبِ جَوَازِ انْتِقَالِهَا مِنَ اللِّسَانِ أَوْ ضِيقِ الْمَكَانِ، فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يَظْفَرِ الْمُخَرِّجُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ أُسَامَةَ فَاسْتَغْرَبَهُ، وَاللَّهُ الْمُيَسِّرُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ وَخُرُوجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: " الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالَنَّفَقَةُ " وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ: " «الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» ". وَقَدْ تَمَّ بَيَانُ الْمُعَارِضِ وَالطَّعْنِ، وَأَمَّا بَيَانُ الِاضْطِرَابِ فَقَدْ سَمِعْتُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ وَفِي بَعْضِهَا طَلَّقَهَا ثُمَّ سَافَرَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَتْهُ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ذَهَبَ فِي نَفَرٍ فَسَأَلُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - الزَّوْجُ " أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ "، وَفِي بَعْضِهَا " أَبَا جَعْفَرِ بْنَ الْمُغِيرَةَ " وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَمِمَّنْ رَدَّ الْحَدِيثَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَمِمَّنْ بَعْدَهُمُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: قَالَ لَهَا: لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى. قُلْنَا: لَيْسَ عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَشْتَغِلَ بِبَيَانِ الْعُذْرِ عَمَّا رَوَتْ، بَلْ يَكْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَلِمَرْوِيِّ عُمَرَ كَائِنًا هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ إِلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذَلِكَ حَسَنٌ حَمْلًا لِمَرْوِيِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَنَقُولُ فِيهِ: إِنَّ عَدَمَ السُّكْنَى كَانَ لِمَا سَمِعْتَ، وَأَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى الشَّعِيرَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْهَا، فَطَالَبَتْ هِيَ أَهْلَهُ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ. الْحَدِيثَ، فَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهَا: " «لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» " عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَيْسَ يَجِبُ لَكِ عَلَى أَهْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>