فَلَوْ قَالَ: بَعْضُكَ حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْكَ أَوْ شِقْصُكَ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ كُلُّهُ إِذِ الْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا، أَوْ كَانَ الشَّرِيكُ وَالْمُعْتِقُ مُوسِرَيْنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَيَبْقَى مِلْكُ السَّاكِتِ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ: أَنَّ السَّاكِتَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَلَا سِعَايَةَ أَصْلًا، وَسَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ إِعْلَالُهُمْ لَفْظَ السِّعَايَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَلَى خِلَافِ سَعْدِ بْنِ أَبِي عُرْوَةَ، يَعْنِي فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إِمْلَاءً، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ، وَفَصَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَجَعَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ كَمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَاضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي السِّتَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْنِي الْحَدِيثَ أَوَّلَ الْبَابِ.
قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: فِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ الْأَثْبَاتِ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَ بِدُونِ هَمَّامٍ عَنْهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ جَرِيرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، وَيَحْيَى بْنُ صُبَيْحٍ الْخُرَاسَانِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَحَسْبُكَ بِذَيْنِكَ بِرَفْعِهِمَا الِاسْتِسْعَاءَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ مِثْلُ: إِنَّهُ لَا يُعْتَقُ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْبَاقِيَ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ وَأَنَّ لَهُ التَّضْمِينَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ زُفَرَ، وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَأَنْ يُعْتَقَ الْبَاقِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ النَّافِينَ: رِوَايَةُ صِحَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ يُسْتَسْعَى إِنِ اخْتَارَ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute