مِنْهُ» . وَالطُّرُقُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِذَا قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَإِذْ قَدْ كَثُرَتْ طُرُقُ هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَدَّدَتْ وَاشْتُهِرَتْ فَلَا يَضُرُّهُ وَقُوعُ رَاوٍ ضَعِيفٍ فِيهِ، مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَصْبَغَ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا. مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ، وَلَوْ كَانَتْ مَارِيَةُ جَارِيَةً لَبِيعَتْ وَصَارَ ثَمَنُهَا صَدَقَةً. وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَفِي بَيْعِهِنَّ تَفْرِيقٌ، وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ: أَعْتَقَهَا. . . . إِلَخْ. وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمَوْتِ إِجْمَاعًا وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَجَازِ الْأَوَّلِ، فَيَثْبُتُ فِي الْحَالِ بَعْضُ مُوجِبِ الْعِتْقِ مِنِ امْتِنَاعِ تَمْلِيكِهَا. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ: لَا يُبَعْنَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَا يُسَعَّيْنَ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يُجْعَلْنَ مِنَ الثُّلُثِ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ. أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ الْمَدَنِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ إِلَى النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَيَّنَهُ هُوَ وَقَالَ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: رُوَاتُهُمْ ثِقَاتٌ. وَعِنْدِي أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ وَقَفَهُ.
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَتَمَتَّعُ مِنْهَا، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ: أَعْتَقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَفْرِيقِيُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حُجَّةٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُعَضِّدُ رَفْعَهُ مَعَهُ تَرْجِيحُ ابْنِ الْقَطَّانِ، فَثَبَتَ الرَّفْعُ بِمَا قُلْنَا، وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ وَقْفِهِ عَلَى عُمَرَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ. وَعَدَمُ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ لِعُمَرَ حِينَ أَفْتَى بِهِ وَأَخْبَرَ، فَانْعَقَدَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى بَيْعِهِنَّ، فَهَذَا يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنَّ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّاوِي: كُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمُهُ الرَّفْعُ، لَكِنْ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا، فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ، وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُهُ وَيُقِرُّهُ ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يَظْهَرِ النَّاسِخُ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقِصَرِ مُدَّتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ فِيهَا بِحُرُوبِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ كَمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا، وَهَذَا إِذَا قَصَرْنَا النَّظَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَمَّا بِمُلَاحَظَةِ الْمَرْفُوعَاتِ الْمُتَعَاضِدَةِ فَلَا شَكَّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ مَا أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ. فَقُلْتُ لَهُ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. فَضَحِكَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ، وَسُئِلَ دَاوُدُ عَنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ: يَجُوزُ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَبْقَى كَذَلِكَ، إِذِ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ حَاضِرًا، فَعَارَضَهُ فَقَالَ: قَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ بِالْإِطْلَاقِ، وَامْتَنَعَ بَيْعُهَا لَمَّا حَبِلَتْ بِوَلَدِ سَيِّدِهَا، وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَانْقَطَعَ دَاوُدُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَيَقُولَ: الزَّوَالُ كَانَ لِمَانِعٍ عَرَضَ وَهُوَ قِيَامُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا وَزَالَ بِانْفِصَالِهِ فَعَادَ مَا كَانَ، فَيَبْقَى إِلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ اهـ. وَهُوَ نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute