٣٥٢٤ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٣٥٢٤ - (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ (مِنْ أَهْلِ النَّارِ) : صِفَةٌ (لَمْ أَرَهُمَا) : خَبَرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ، الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَرَهُمَا فِي عَصْرِهِ لِطَهَارَةِ ذَلِكَ الْعَصْرِ بَلْ حَدَثَا بَعْدَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَفِيهِ ذَمُّ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ (قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ) : جَمْعُ سَوْطٍ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَحَرُّكِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا (كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ) : أَيْ: بِغَيْرِ حَقٍّ (وَنِسَاءٌ) : هُوَ وَقَوْمٌ بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ لِقَوْلِهِ: صِنْفَانِ وَمَا بَعْدَهَا صِفَاتٌ لَهُمَا (كَاسِيَاتٌ) : أَيْ: فِي نِعْمَةِ اللَّهِ (عَارِيَاتٌ) : مِنْ شُكْرِهَا، وَقِيلَ: يَسْتُرْنَ بَعْضَ بَدَنِهِنَّ وَيَكْشِفْنَ بَعْضَهُ إِظْهَارًا لِجَمَالِهِنَّ وَإِبْرَازًا لِكَمَالِهِنَّ، وَقِيلَ: يَلْبَسْنَ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ بَدَنَهُنَّ وَإِنْ كُنَّ كَاسِيَاتٍ لِلثِّيَابِ عَارِيَاتٍ فِي الْحَقِيقَةِ، أَوْ كَاسِيَاتٍ بِالْحُلَى وَالْحُلِيِّ، عَارِيَاتٍ مِنْ لِبَاسِ التَّقْوَى وَمِنْهُ حَدِيثُ: ( «رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْعُقْبَى» ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَثْبَتَ لَهُنَّ الْكُسْوَةَ ثُمَّ نَفَاهَا ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاكْتِسَاءِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقِ السَّتْرُ فَكَأَنَّهُ لَا اكْتِسَاءَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا لِمَكْرُمَةٍ ... فَكَأَنَّهُمْ خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا
رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا سَمَاحَ يَدٍ ... فَكَأَنَّهُمْ رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا
(مُمِيلَاتٌ) : أَيْ: قُلُوبَ الرِّجَالِ إِلَيْهِنَّ، أَوِ الْمَقَانِعَ عَنْ رُءُوسِهِنَّ لِيَظْهَرَ وُجُوهُهُنَّ، وَقِيلَ: مُمِيلَاتٌ بِأَكْتَافِهِنَّ، وَقِيلَ: يُمِلْنَ غَيْرَهُنَّ إِلَى فِعْلِهِنَّ الْمَذْمُومِ (مَائِلَاتٌ) : أَيْ: إِلَى الرِّجَالِ بِقُلُوبِهِنَّ أَوْ بِقَوَالِبِهِنَّ، أَوْ مُتَبَخْتِرَاتٌ فِي مَشْيِهِنَّ، أَوْ زَائِغَاتٌ عَنِ الْعَفَافِ، أَوْ مَائِلَاتٌ إِلَى الْفُجُورِ وَالْهَوَى، وَقِيلَ: مَائِلَاتٌ يَمْتَشِطْنَ مِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ، وَقِيلَ: مِشْطَةَ الْبَغَايَا مُمِيلَاتٌ يُمَشِّطْنَ غَيْرَهُنَّ بِتِلْكَ الْمِشْطَةِ. (رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ) : بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ. فِي النِّهَايَةِ: الْبُخْتِيُّ مِنَ الْجِمَالِ، وَالْأُنْثَى بُخْتِيَّةٌ جَمْعُ بُخْتٍ وَبَخَاتِيٍّ جِمَالٌ طِوَالُ الْأَعْنَاقِ، وَاللَّفْظَةُ مُعْرَبَةٌ أَيْ: يُعَظِّمْنَهَا وَيُكَبِّرْنَهَا بِلَفِّ عِصَابَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَالِ لَا يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ، وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسَهُنَّ (الْمَائِلَةُ) : صِفَةٌ لِلْأَسْنِمَةِ، وَهِيَ جَمْعُ السَّنَامِ، وَالْمَائِلَةُ مِنَ الْمَيْلِ ; لِأَنَّ أَعْلَى السَّنَامِ يَمِيلُ لِكَثْرَةِ شَحْمِهِ، وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ نِسَاءِ مِصْرَ (لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ) : صِفَةٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلرِّجَالِ مِثْلَهَا اخْتِصَارًا وَإِيجَازًا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ) : جُمْلَةٌ حَالِيَةٌ (مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) : أَيْ: مِائَةِ عَامٍ مَثَلًا قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَهَا وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا حِينَ مَا يَدْخُلُهَا وَيَجِدُ رِيحَهَا الْعَفَائِفُ الْمُتَوَرِّعَاتُ، لَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: ( «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ) ثَلَاثًا. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْلَالِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ الزَّجْرُ وَالتَّغْلِيظُ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُنَّ لَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنْ دَخَلْنَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute