للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥٣٩ - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وَفِي رِوَايَةٍ فَسَمَّرُوا أَعْيُنَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٥٣٩ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ يَنْزِلُ (عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ) بِفَتْحَتَيْنِ قَوْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ (مِنْ عُكْلٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ اسْمُ قَبِيلَةٍ ذَكَرَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الْبُخَارِيِّ فَفِي بَعْضِهَا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ عَلَى الشَّكِّ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ عُكْلٍ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ عُرَيْنَةَ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ الصَّوَابُ، رَوَى أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ: كَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ عُرَيْنَةَ وَثَلَاثَةً مِنْ عُكْلٍ (فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ) مِنَ الِاجْتِوَاءِ أَيْ كَرِهُوا هَوَاءَ الْمَدِينَةِ وَمَاءَهَا وَاسْتَوْخَمُوهَا وَلَمْ يُوَافِقْهُمُ الْمُقَامُ بِهَا وَأَصَابَهُمُ الْجِوَاءُ وَهُوَ الْمَرَضُ (فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ إِبِلَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ الشُّرْبُ مِنْ أَلْبَانِهَا وَجَوَازُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَقَاسَ بَعْضٌ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ لِمَيْلِ الطِّبَاعِ إِلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النَّجَاسَاتِ اهـ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَنَجِسٌ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: فَبَوْلُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِمَا بِأَنَّ شُرْبَهُمُ الْأَبْوَالَ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَهُوَ جَائِزٌ بِكُلِّ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرَاتِ، وَإِنَّمَا أَجَازَ شُرْبَهُمْ أَلْبَانَ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ; لِأَنَّهَا لِلْمُحْتَاجِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مِنْهُمْ (فَفَعَلُوا) أَيْ مَا ذَكَرَ (فَصَحُّوا) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ فَرَجَعُوا إِلَى صِحَّتِهِمْ (فَارْتَدُّوا) وَكَأَنَّهُمْ تَشَاءَمُوا بِالْإِسْلَامِ (وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا) أَيْ رُعَاةَ الْإِبِلِ بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ الرَّاعِي أَيْ طَمَعًا لِلْمَالِ (وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ) أَيْ سَاقُوهَا بِمُبَالَغَةٍ بَلِيغَةٍ وَاهْتِمَامٍ تَامٍّ (فَبَعَثَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ (فِي آثَارِهِمْ) أَيْ عَقِبَهُمْ (فَأُتِيَ بِهِمْ) أَيْ جِيءَ بِهِمْ (فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ) أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قِيلَ يَعْنِي قَطَعَ يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ وَرِجْلَيْهِ لَكِنْ يَرُدُّهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ خِلَافٍ (وَسَمَلَ) بِاللَّامِ أَيْ فَقَأَ (أَعْيُنَهُمْ) قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمُحَارِبِينَ قَوْلُهُ: وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ وَسَمَلَ بِاللَّامِ وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَهُ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: سَمَرَ الْعَيْنَ بِالتَّخْفِيفِ كَحَلَهَا بِالْمِسْمَارِ الْمُحْمَاةِ فَيُطَابِقُ السَّمْلَ فَإِنَّهُ فُسِّرَ بِأَنْ يُدْنِيَ مِنَ الْعَيْنِ حَدِيدَةً مُحْمَاةً حَتَّى يَذْهَبَ نَظَرُهَا فَيُطَابِقُ الْأَوَّلَ بِأَنْ تَكُونَ الْحَدِيدَةُ مِسْمَارًا قَالَ: وَضُبِطَا بِالتَّشْدِيدِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَفَسَّرُوا السَّمْلَ بِأَنَّهُ فَقْءُ الْعَيْنِ بِالشَّوْكِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا (ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ لَمْ يَقْطَعْ دِمَاءَهُمْ بِالْكَيِّ مِنَ الْجِسْمِ، الْكَيُّ أَيْ كَيُّ الْعُرُوقِ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ (حَتَّى مَاتُوا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنَّمَا فَعَلَ بِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَعَ نَهْيِهِ عَنِ الْمُثْلَةِ إِمَّا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالرُّعَاةِ وَإِمَّا لِعِظَمِ جَرِيمَتِهِمْ فَإِنَّهُمُ ارْتَدُّوا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعُقُوبَاتِ فِي سِيَاسَتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقِيلَ كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ مَعَ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَفِيهِ نَزَلَتِ الْآيَةُ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَاصًا وَقِيلَ: النَّهْيُّ عَنِ الْمُثْلَةِ فِي تَنْزِيهٍ (وَفِي رِوَايَةٍ فَسَمَّرُوا) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ كَحَّلُوا أَعْيُنَهُمْ بِمَسَامِيرِ حَدِيدٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّفَرَ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ أَوِ الصَّحَابَةَ بِالنَّفَرِ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>