وَكَلِمَةٌ، أَوْ فَائِدَةٌ، أَوْ قَضِيَّةٌ أُخْرَى مِمَّا يُتَعَجَّبُ لَهَا، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَرْغَبَ فِيهَا وَهِيَ (يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. قَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (وَمَا هِيَ) : أَيْ: تِلْكَ الْخَصْلَةُ الْأُخْرَى (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجِهَادُ) ; أَيْ: هِيَ الْجِهَادُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) : وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ حَيْثُ عُطِفَ عَلَى لَوَازِمِ الْإِسْلَامِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فِي الْكَلَامِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أُخْرَى صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ يَرْفَعُ اللَّهُ خَبَرُهُ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ ; أَيْ: أَلَا أُبَشِّرُكَ بِشَارَةً أُخْرَى؟ وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ اللَّهُ صِفَةٌ، أَوْ حَالٌ، وَقِيلَ هُنَاكَ خَصْلَةٌ أُخْرَى، وَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ تَفْخِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ وَتَعْظِيمُ شَأْنِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَمِنْهُ الْجِهَادُ، وَكَذَا إِبْهَامُهُ بِقَوْلِهِ: وَأُخْرَى وَإِبْرَازُهُ فِي صُورَةِ الْبِشَارَةِ لِيَسْأَلَ عَنْهَا فَيُجَابَ بِمَا يُجَابُ ; لِأَنَّ التَّبْيِينَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ، وَكَذَا تَكْرَارُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَنَظِيرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: ١٠] إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: ١٣] وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ قَيْدٌ وَرَدَ: ( «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ كُلٌّ مِنْ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ» " الْحَدِيثَ. وَذَلِكَ أَعْظَمُ أَجْرًا. وَأُجِيبَ: بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْأَثْقَلِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْأَخَفِّ، وَبِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ فَيَدْخُلَ فِيهِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ الرَّاكِبَ وَمَرْكُوبَهُ، وَإِنْفَاقُهُمَا إِهْلَاكُهُمَا، فَصَارَ الْحَدِيثَانِ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ أَنَّ الْأَجْرَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلًا قَلِيلًا، أَجْرًا جَزِيلًا، وَقَدْرًا جَلِيلًا، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى وَجْهِ التَّكَلُّفِ اه. وَلَا يَخْفَى عَدَمُ التَّنَافِي بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ فِي الْبَيْنِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute