للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الْوَجْهِ بِالْأَبْغَضِيَّةِ لَا أَنَّ وَجْهَهُ أَبْغَضُ كَائِنًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قُلْنَا: بِجَوَازِ وُقُوعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ كَانَ، فَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَانَ صِفَةً لِقَوْلِهِ وَجْهٌ، فَقُدِّمَ فَصَارَ حَالًا، وَإِذَا مَنَعْنَاهُ قُلْنَا إِنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ لِيُؤْذِنَ فِي بَدْءِ الْحَالِ بِاهْتِمَامٍ فَصَارَ الْعُمُومُ وَالشُّمُولُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر: ٦٧] ( «وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَوَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ» ) . يَعْنِي الْمَدِينَةَ (فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدَ الْعُمْرَةَ) ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَمَاذَا تَرَى) ؟ أَيْ مِنَ الرَّأْيِ فِي حَقِّي (فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ; أَيْ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْآثَامِ (وَأَمْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ، أَصَبَوْتَ؟) : مِنَ الصَّبْوَةِ وَالصَّبْوُ الْمَيْلُ إِلَى الْجَهْلِ. كَذَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: أَصَبَأْتَ وَهُوَ مَهْمُوزٌ فَفِي النِّهَايَةِ: صَبَأَ فُلَانٌ إِذَا خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي الْفَائِقِ. وَفِي الْمَشَارِقِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ. قَوْلُهُ: أَصَبَوْتَ هَكَذَا الرِّوَايَةُ ; أَيْ أَصَبَأْتَ، وَقُرَيْشٌ كَانَتْ لَا تَهْمِزُ وَتُسَهِّلُ الْهَمْزَةَ ; أَيْ أَخْرَجْتَ عَنْ دِينِكَ؟ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَصَبَوْتَ هَكَذَا فِي الْأُصُولِ أَصَبَوْتَ، وَهِيَ لُغَةٌ وَالْمَشْهُورُ أَصَبَأْتَ بِالْهَمْزِ اهـ.

وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأُصُولِ لَا وَجْهَ مَعَ ثُبُوتِهَا إِلَى الْعُدُولِ، ثُمَّ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَهِيَ لُغَةٌ " أَنَّهُ لُغَةٌ فِي صَبَأْتَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَادَّةً وَمَعْنًى، وَالْعَجَبُ مِنَ الطِّيبِي أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى صَبَأْتَ بِالْهَمْزِ (فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ: لَا، وَهُوَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ؟ قُلْتُ: هُوَ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا خَرَجْتُ مِنَ الدِّينِ ; لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى دِينٍ فَأَخْرُجَ مِنْهُ، بَلِ اسْتَحْدَثْتُ دِينَ اللَّهِ، وَأَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قُلْتَ: مَعَ يَقْتَضِي إِحْدَاثَ الْمُصَاحَبَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ الْمُصَاحَبَةُ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ، وَقَدْ قِيلَ: الْفِعْلُ بِهَا فَيَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي الصَّافَّاتِ. قُلْتُ: لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَهُ، فَيَكُونُ مِنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةً وَمِنْهُ اسْتِحْدَاثًا: أَقُولُ: هَذَا لَا يَبْعُدُ عَقْلًا، لَكِنْ يُسْتَبْعَدُ نَقْلًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَنُقِلَ فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ إِلَيْنَا، وَفِي الْمَعِيَّةِ يُكْتَفَى بِالْمُشَارَكَةِ الْفِعْلِيَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِ بِلْقِيسَ: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: ٤٤] ، ثُمَّ جَوَابُ سُؤَالِهِ الْأَوَّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى نُسْخَةِ " صَبَأْتَ " لَا عَلَى " صَبَوْتَ " كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ صَبَأْتَ ; أَيْ مِنْ دِينِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، فَجَوَابُهُ بِلَا مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحَقِيقَةِ الْحَقِّ. (وَلَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا يَقْتَضِي مَنْفِيًّا وَالْوَاوُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ ; أَيْ لَا أُوَافِقُكُمْ فِي دِينِكُمْ. وَلَا أَرْفُقُ بِكُمْ فِي هَذِهِ السِّنِينَ الْمُجْدِبَةِ، ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ( «وَاللَّهِ لَا تَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاخْتَصَرَهُ الْبُخَارِيُّ) . فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا حَضَرُوا مُسْتَأْمَنِينَ، وَلَا يُجَهَّزَ إِلَيْهِمْ مَعَ التُّجَّارِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمَلِهِ إِلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْمَعْرُوفُ مَا فِي سِيَرِ الْبَيْهَقِيِّ، وَمُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ ; أَيِ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَمْلِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ; لِأَنَّهُ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمَقْصُودُ إِضْعَافُهُمْ إِلَّا أَنَّا عَرَفْنَا نَقْلَ الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ بِالنَّصِّ يَعْنِي حَدِيثَ ثُمَامَةَ، وَحَدِيثَ أُسَامَةَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَامِ ثُمَامَةَ. وَفِي آخِرِهِ قَوْلُهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي أَسَلَّمْتُ وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا تَأْتِيكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>