للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ قَرِيبَ مَكَّةَ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ، فَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يَحْمِلُ إِلَيْهِمُ الطَّعَامَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخِرِ السِّيَرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: «أَصَبَأْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ خَيْرَ الدِّينِ دِينِ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَا تَصِلُ إِلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - إِلَى أَنْ قَالَ: «فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّكَ قَدْ قَطَعْتَ أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ» . وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَنِّ عَلَى الْكَافِرِ وَإِطْلَاقِهِ بِغَيْرِ مَالٍ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأُسَارَى، وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ مِنْهُمُ الْعَاصِ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمَنِّ وَهِيَ آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَقِصَّةُ بَدْرٍ كَانَتْ سَابِقَةً عَلَيْهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ رَبْطِ الْأَسِيرِ وَحَبْسِهِ وَإِدْخَالِ الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ، وَفِيهِ إِذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ يُبَادِرُ بِهِ، وَلَا يُؤَخِّرْهُ لِلِاغْتِسَالِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ اغْتِسَالَهُ وَاجِبٌ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ فِي الشِّرْكِ، سَوَاءٌ كَانَ اغْتَسِلْ مِنْهَا أَمْ لَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنِ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ فَالْغَسْلُ مُسْتَحَبٌّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ: يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ، وَفِي تَكْرِيرِ سُؤَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَأْلِيفٌ لِقَلْبِهِ، وَمُلَاطَفَةٌ لِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ مِنَ الْأُسَارَى الَّذِينَ يَتْبَعُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>