٣٩٦٥ - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ " لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٣٩٦٥ - (وَعَنْ جُبَيْرِ) : بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ مُطْعِمٍ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ) : أَيْ فِي شَأْنِهِمْ لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي) : أَيْ شَفَاعَةً إِلَى (هَؤُلَاءِ النَّتْنَى) : جَمْعِ نَتِنٍ بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنَى مُنْتِنٍ؛ كَزَمِنٍ وَزَمْنَى، وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ نَتْنَى إِمَّا لِرِجْسِهِمُ الْحَاصِلِ مِنْ كُفْرِهِمْ عَلَى التَّمْثِيلِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ أَبْدَانُهُمْ وَجِيَفُهُمُ الْمُلْقَاةُ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ (لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ) ; أَيْ لِأَجْلِهِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَابْنُ عَمِّ جَدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ لَهُ يَدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ جَارَهُ حِينَ رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَذَبَّ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ، فَأَحَبَّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَيًّا فَكَافَأَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَرَادَ بِهِ تَطْيِيبَ قَلْبِ ابْنِهِ جُبَيْرٍ وَتَأْلِيفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، تَعْرِيضٌ بِالتَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الرَّسُولِ وَتَحْقِيرِ حَالِ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يُبَالِي بِهِمْ وَبِتَرْكِهِمْ لِمُشْرِكٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ اهـ.
قِيلَ: وَفِيهِ بَيَانُ حَسَنِ الْمُكَافَأَةِ وَجَوَازُ فَرْضِ الْمُحَالِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمَنِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِبَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ شَارِحٍ بِهَذَا لَا يُثْبِتُ الْمَنَّ ; لِأَنَّ (لَوْ) لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ يَعْنِي فَيُفِيدُ امْتِنَاعَ الْمَنِّ، وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِالْكَلَامِ أَنَّ التَّرْكِيبَ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ لَتَرَكَهُمْ وَصِدْقُهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَنُّ جَائِزًا، فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُطْلِقُهُمْ لَوْ سَأَلَهُمْ ; إِيَّاهُ وَالْإِطْلَاقُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَكَوْنُهُ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لَا يَنْفِي جَوَازَهُ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ. فَمَا اشْتُهِرَ عَلَى لِسَانِ الْمَنْطِقِيِّينَ أَنَّ " لَوِ " الشَّرْطِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْوُقُوعِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ غَيْرِ الشَّارِعِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ; أَيْ عَنْ جُبَيْرٍ، وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ كَافِرٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدَّثَ بِهِ عَنْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِدَاءِ أُسَارَى بَدْرٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَلَمْ أُسْلِمْ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: لَوْ كَانَ مُطْعِمٌ حَيًّا إِلَخْ. وَفِي رِوَايَةٍ: سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: ٣٥ - ٣٧] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute