٣٩٨٦ - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ، ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: " مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللَّهِ، إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " صَدَقَ فَأَعْطِهِ " فَأَعْطَانِيهِ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ ; فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٣٩٨٦ - (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ) : فِي الْقَامُوسِ: هُوَ كَزُبَيْرٍ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا) : أَيْ نَحْنُ وَالْمُشْرِكُونَ (كَانَتْ) : أَيْ: صَارَتْ (لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنَ الْجَوَلَانِ ; أَيْ: هَزِيمَةٌ قَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا جَوَلَانٌ وَاحِدٌ، يُقَالُ: جَالَ فِي الْحَرْبِ جَوْلَةً ; أَيْ دَارَ، وَقَدْ فُسِّرَتْ فِي الْحَدِيثِ بِالْهَزِيمَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْجَوْلَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاضْطِرَابِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ، فَفِي النِّهَايَةِ: جَالَ وَاجْتَالَ إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ الْجَوَلَانُ فِي الْحَرْبِ، وَالْجَائِلُ الزَّائِلُ عَنْ مَكَانِهِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَرَى الصَّحَابِيَّ كَرِهَ لَهُمْ لَفْظَ الْهَزِيمَةِ فَكَنَى عَنْهَا بِالْجَوْلَةِ وَلَمَّا كَانَتِ الْجَوْلَةُ مِمَّا لَا اسْتِقْرَارَ عَلَيْهِ اسْتَعْمَلَهَا فِي الْهَزِيمَةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا اسْتَقَرُّوا عَلَيْهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ مِنْ بَعْضِ الْجَيْشِ. وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ مَعَهُ فَلَمْ يَزَالُوا. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ، وَلَمْ يَرَ وَاحِدٌ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْهَزَمَ فِي مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، بَلْ يَثْبُتُ فِيهَا بِإِقْدَامِهِ وَثَبَاتِهِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ. (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا) : أَيْ: غَلَبَ (رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ) : أَيِ: الْمُشْرِكَ (مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ) : بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْكَتِفِ (بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ) : أَيْ: دِرْعَهُ وَأَوْصَلْتُ الْجِرَاحَةَ إِلَى بَدَنِهِ (وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي) : أَيْ: ضَغَطَنِي وَعَصَرَنِي (ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ) : اسْتِعَارَةٌ عَنْ أَثَرِهِ ; أَيْ: وَجَدْتُ مِنْهُ شِدَّةً كَشِدَّةِ الْمَوْتِ، وَالْمَعْنَى قَدْ قَارَبْتُ الْمَوْتَ (ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) : أَيْ: فَخَلَّى سَبِيلِي فَخَلَّيْتُهُ (فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ) : أَيْ: مُنْهَزِمِينَ (قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ) : أَيْ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ مَا حَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الِانْهِزَامِ؟ فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ غَالِبٌ وَالنُّصْرَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ (ثُمَّ رَجَعُوا) : أَيِ: الْمُسْلِمُونَ (وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ") : أَوْقَعَ الْقَتْلَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] (لَهُ) : أَيْ: لِلْقَاتِلِ (عَلَيْهِ) : أَيْ: عَلَى قَتْلِهِ لِلْمَقْتُولِ (بَيِّنَةٌ) : أَيْ: شَاهِدٌ وَلَوْ وَاحِدًا (فَلَهُ سَلَبُهُ) : بِفَتْحَتَيْنِ فَعَلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ مَا عَلَى الْقَتِيلِ وَمَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَسِلَاحٍ وَمَرْكَبٍ وَجَنِيبٍ يُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute