يَكُونَ عَيْنَ صِلَةٍ فَيَكُونُ الْمَعْنَى يَصْدُرُ قِتَالُهُ عَنْ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; أَيْ: بِسَبَبِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: ٨٢] وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ: يُقَاتِلُ ذَابًّا عَنْ دِينِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ نَاصِرًا لِأَوْلِيَائِهِ. (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " صَدَقَ ": أَيِ: الصِّدِّيقُ (فَأَعْطِهِ) : أَيْ: أَبَا قَتَادَةَ سَلَبَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى يُقَاتِلُ لِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَةِ رَسُولِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَكَانَتِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِفْتَائِهِ بِحَضْرَتِهِ وَتَصْدِيقِهِ لَهُ، وَعَلَى مَنْقَبَةِ أَبِي قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَمَّاهُ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ (فَأَعْطَانِيهِ، فَابْتَعْتُ) : أَيِ: اشْتَرَيْتُ (بِهِ) : أَيْ: بِذَلِكَ السَّلَبِ (مَخْرَفًا) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ ; أَيْ: بُسْتَانًا (فِي بَنِي سَلِمَةَ) : بِكَسْرِ اللَّامِ (فَإِنَّهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنَّهُ (لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) : أَيِ: اقْتَنَيْتُهُ وَتَأَصَّلْتُهُ يَعْنِي جَمَعْتُهُ وَجَعَلْتُهُ أَصْلَ مَالِي (فِي الْإِسْلَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ نَصْبُ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، أَوْ كَانَ تَحْرِيضًا بِالتَّنْفِيلِ قَالَهُ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ وَغَيْرِهَا يَخُصُّهَا، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَصْبُ الشَّرْعِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي قَوْلِهِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا بُعِثَ لِذَلِكَ، وَقُلْنَا: كَوْنُهُ تَنْفِيلًا هُوَ أَيْضًا مِنْ نَصْبِ الشَّرْعِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ: " «لَيْسَ لَكَ مِلْكٌ مِنْ سَلَبِ قَتِيلِكَ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِكَ» " فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْ قَوْلِهِ: " «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» " وَهُوَ أَنَّهُ تَنْفِيلٌ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لَا نَصْبٌ عَامٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ، أَوْ حَسَنٌ لَكِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ، «بَلَغَ حَبِيبَ بْنَ سَلَمَةَ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُصَ خَرَجَ يُرِيدُ طَرِيقَ أَذْرَبِيجَانَ وَمَعَهُ زُمُرُّدٌ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَغَيْرُهَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ بِمَا مَعَهُ، وَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ سَلَمَةَ: لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ يَا حَبِيبُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إِنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ نَفْسُ إِمَامِهِ» ، وَهُنَا مَعْلُولٌ بِعَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «كُنَّا مُعَسْكِرِينَ بِدَانِفَاءَ، وَذَكَرَ لِحَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ الْفِهْرِيِّ إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ بِسَلَبِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَبْغَالٍ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، فَأَرَادَ حَبِيبٌ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بَعْضَهُ، فَقَالَ حَبِيبٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ، فَسَمِعَ مُعَاذٌ ذَلِكَ، فَأَتَى أَبَا عُبَيْدَةَ وَحَبِيبٌ يُخَاصِمُهُ فَقَالَ مُعَاذٌ: أَلَا تَتَّقِي وَتَأْخُذْ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِكَ، فَإِنَّ مَا لَكَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِكَ، فَحَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ مُعَاذٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَعْطَوْهُ مِنَ الْخُمُسِ، فَبَاعَهُ حَبِيبٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ» ، وَفِيهِ كَمَا تَرَى مَجْهُولٌ وَلَكِنْ قَدْ لَا يَضُرُّ ضَعْفُهُ فَإِنَّا إِنَّمَا نَسْتَأْنِسُ لِأَحَدِ مُحْتَمَلَيْ لَفْظٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ يَتَأَيَّدُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ بَعْدَمَا رَأَى سَيْفَهُمَا: " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ "، ثُمَّ قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلْقَاتِلِ لَقَضَى بِهِ لَهُمَا إِلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَفَعَهُ: بِأَنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَصِّ الْكِتَابِ مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ قَسَمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَحْضُرُوا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ بَدْرٍ، فَقَضَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute