٤٠١٢ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً، أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ، فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ، فَيُخَمِّسُهُ وَيُقَسِّمُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا فِيمَا كُنَّا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، قَالَ: " أَسْمَعْتَ بِلَالًا نَادَى ثَلَاثًا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ؟ " فَاعْتَذَرَ. قَالَ: " كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٤٠١٢ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً) أَيْ: وَأَرَادَ جَمْعَهَا وَتَقْسِيمَهَا (أَمَرَ بِلَالًا:) أَيْ: بِالنِّدَاءِ (فَنَادَى) أَيْ: بِلَالٌ (فِي النَّاسِ) أَيْ: فِي مَحَاضِرِهِمْ (فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ: يُحْضِرُونَهَا (فَيُخَمِّسُهُ) أَيْ: مَا يَجِيئُونَ بِهِ، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتُخَفَّفُ (وَيُقَسِّمُهُ) : بِفَتْحِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا وَبِتَشْدِيدِ السِّينِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ، وَهِيَ امْتِثَالُهُمْ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي حِينَ أَمَرَهُمْ بِإِحْضَارِ الْغَنَائِمِ لَمْ يَمْكُثُوا وَلَمْ يَلْبَثُوا وَلَمَّا مَكَثَ الرَّجُلُ وَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَادَ إِلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَقَالَ: (فَجَاءَ رَجُلٌ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْدَ التَّخْمِيسِ (بِزِمَامٍ) : بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: بِخِطَامٍ (مِنْ شَعَرٍ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا) أَيِ: الزِّمَامُ (فِيمَا كُنَّا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ) أَيْ: فِيهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا (قَالَ: أَسْمِعْتَ بِلَالًا، نَادَى ثَلَاثًا "؟) أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، أَوْ أَيَّامٍ (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهَا) أَيْ: أَوَّلًا (فَاعْتَذَرَ) أَيْ: لِلتَّأْخِيرِ اعْتِذَارًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ (قَالَ: كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ، وَهِيَ تَأْكِيدُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ، وَبِنَاءُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ سَبِيلِ التَّقْوَى وَتَخْصِيصُ الْكَيْنُونَةِ، قُلْتُ: وَكَذَا تَأْكِيدُهُ وَتَأْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: (" فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ ") : قَالَ: وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ مُبْتَدَأً، وَتَجِيءُ خَبَرَهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرَ كَانَ، وَقَدَّمَ الْفَاعِلَ الْمَعْنَوِيَّ لِلتَّخْصِيصِ أَيْ: أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ لَا غَيْرُكَ. قَالَ الرَّاغِبُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ فِي جِنْسِ الشَّيْءِ مُتَعَلِّقًا بِوَصْفٍ لَهُ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ، فَبَيَّنَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَازِمٌ لَهُ قَلِيلُ الِانْفِكَاكِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: ٦٧] قَالَ الْمُظْهِرُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْغَانِمِينَ فِيهِ شَرِكَةٌ، وَقَدْ تَفَرَّقُوا، وَتَعَذَّرَ إِيصَالُ نَصِيبِ كَلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ فَتَرَكَهُ فِي يَدِهِ لِيَكُونَ إِثْمُهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْغَاصِبُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ لَا أَنَّ تَوْبَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَلَا أَنَّ رَدَّ الْمَظَالِمِ عَلَى أَصْحَابِهَا، أَوِ الِاسْتِحْلَالَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِيهِ أَنَّ رَدَّ الْمَظْلَمَةِ وَحُصُولَ الِاسْتِحْلَالِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ، وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَسِّرًا، أَوْ مُتَعَذِّرًا، وَيَتَوَقَّفُ قَبُولُهَا عَلَى حُصُولِهِمَا، فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ وَالتَّأْكِيدِ، لَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّهْدِيدِ، فَكَلَامُ الْمُظْهِرِ أَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute