للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالصُّحْبَةِ، مَاتَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (فَأَرْسَلُوا) أَيْ: أَهْلُ مَكَّةَ (فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ) ، يَعْنِي: إِلَيْهِمَا (فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَا) أَيْ: مَعَهُ (ذَا الْحُلَيْفَةِ نَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى) أَيْ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَيُفْتَحُ أَيْ: أَظُنُّ (سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، أَرِنِي) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَاخْتِلَاسُهَا (أَنْظُرْ إِلَيْهِ) . بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ (فَأَمْكَنَهُ) أَيْ: فَأَقْدَرَهُ وَمَكَّنَهُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ السَّيْفِ حَتَّى أَخَذَهُ (فَضَرَبَهُ) أَيْ: بِهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (حَتَّى بَرَدَ) أَيْ: مَاتَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَكَنَتْ مِنْهُ حَرَكَةُ الْحَيَاةِ وَحَرَارَتُهَا فَأَطْلَقَ اللَّازِمَ عَلَى الْمَلْزُومِ. قَالَ الْقَاضِي: يُقَالُ بَرَدَهُ فُلَانٌ إِذَا قَتَلَهُ عَلَى سَبِيلِ النِّكَايَةِ، فَإِنَّ الْبُرُودَةَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَوْتِ وَلَوَازِمِهِ، وَمِنْهُ السُّيُوفُ الْبَوَارِدُ (وَفَرَّ الْآخَرُ) أَيْ: هَرَبَ (مِنْهُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو) أَيْ: يَجْرِي مِنْ خَوْفِ الْقَتْلِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا) : بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: خَوْفًا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، أَوْ مَا خَافَ مِنْهُ ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي الْقَامُوسِ: الذُّعْرُ بِالضَّمِّ الْخَوْفُ، وَبِالْفَتْحِ التَّخْوِيفُ وَبِالتَّحْرِيكِ الدَّهِشُ وَكَصُرَدٍ الْأَمْرُ الْمَخُوفُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكُلَّ يَصْلُحُ هُنَا، لَكِنَّ النُّسَخَ عَلَى الضَّمِّ (فَقَالَ: قُتِلَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَاللَّهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ) . أَيْ: وَإِنِّي لِأَخَافَ الْقَتْلَ، أَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَنْ يَقْتُلَنِي (فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلَ أُمِّهِ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْهَلَاكُ وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّبَ مِنْ حُسْنِ نَهْضَتِهِ لِلْحَرْبِ وَجَوْدَةِ مُعَالَجَتِهِ لَهَا مَعَ مَا فِيهِ خُلَاصَةً مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ (مِسْعَرَ حَرْبٍ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيُرْفَعُ أَيْ: هُوَ مَنْ يُحْمِي الْحَرْبَ وَيُهَيِّجُ الْقِتَالَ (لَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي بَصِيرٍ (أَحَدٌ) . أَيْ: صَاحِبٌ يَنْصُرُهُ وَيُعِينُهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَيَّ حَتَّى لَا أَرُدَّهُ إِلَيْهِمْ وَهَذَا أَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَأَصْلُ الْمِسْعَرِ وَالْمِسْعَارِ مَا يُحَرَّكُ بِهِ النَّارُ مِنْ آلَةِ الْحَدِيدِ يُقَالُ: سَعَّرْتُ النَّارَ وَالْحَرْبَ إِذَا أَوْقَدَتُهَا يَصِفُهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْحَرْبِ وَالنَّجْدَةِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمَّا شَبَّهَ الْحَرْبَ بِالنَّارِ مَثَّلَ الَّذِي يُهَيِّجُهُ بِمِسْعَرِ التَّنُّورِ اهـ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَمِيَ الْوَطِيسُ) أَيِ: التَّنُّورُ، وَقِيلَ: هِيَ حِجَارَةٌ مُدَوَّرَةٌ إِذَا حَمِيَتْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَطَأَهَا، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ كِنَايَةٌ عَنِ اشْتِبَاكِ الْحَرْبِ وَقِيَامِهَا عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.

(فَلَمَّا سَمِعَ) أَيْ: أَبُو بَصِيرٍ (ذَلِكَ) أَيِ: الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ (عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ) ، قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ شَعَرَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْوِيهِ وَلَا يُعِينُهُ، وَإِنَّمَا خَلَاصُهُ عَنْهُمْ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ (فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ: سَاحِلُهُ وَالْإِضَافَةُ لِمُجَرَّدِ الْبَيَانِ، فَإِنَّ السِّيفَ سَاحِلُ الْبَحْرِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّجْرِيدِ (قَالَ) أَيِ: الرَّاوِي (وَانْفَلَتَ) أَيْ: تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ (أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ) أَيْ: ابْنُ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ، وَكَانَ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ وَوَضَعَهُ أَبُوهُ فِي الْقَيْدِ، فَخَرَجَ أَوَّلًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فَخَرَجَ ثَانِيًا، (فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ) ، لَمَّا عَرَفَ أَنَّ النَّبِيَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ (فَجَعَلَ) أَيْ: شَرَعَ وَطَفِقَ (لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ) أَيْ: سَابِقًا، أَوْ لَاحِقًا (إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ) ، تَحْقِيقًا لِتَمْكِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ (حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ: جَمَاعَةٌ قَوِيَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>