٤٠٤٤ - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: ( «نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٤٠٤٤ - (وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ) : بِضَمِّ الدَّالِّ وَبِفَتْحٍ (عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: حِكَايَةُ مَا تَلَفَّظُوا بِهِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ (فَقَالُوا) أَيِ: الصَّحَابَةُ اسْتِبْعَادًا لِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا سَبَقَ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ) أَيْ: نَحْنُ (هَذَا) ؟ أَيِ: الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ (قَالَ: نَعَمْ إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ) أَيْ: مِنْ رَحْمَتِهِ بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ (وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ) أَيْ: وَرَدَدْنَاهُ إِلَيْهِمْ (سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا) أَيْ: خَلَاصًا (وَمَخْرَجًا) : خُرُوجًا، وَالْمَعْنَى سَوْفَ يُخْرِجُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ إِلَخْ. بَيَانٌ لِنَعَمْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَهُوَ جَوَابٌ لِإِنْكَارِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: أَنَكْتُبُ؟ كَأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا هَذَا الشَّرْطَ فَرَفَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شُبْهَتَهُمْ. بِمَا ذَكَرَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: (بَلَى) . قَالَ: أَلَسْنًا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: (بَلَى) . قَلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: ( «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي» ) قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: (بَلَى فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟) قُلْتُ: لَا. قَالَ: (فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ) . قَالَ: فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ الْحَقُّ. قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّكَ آتِيهِ فَمُطَوِّفٌ بِهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يَكُنْ سُؤَالُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ شَكًّا، بَلْ طَلَبًا لِكَشْفِ مَا خَفِيَ، وَحَثًّا عَلَى إِذْلَالِهِ لِلْكُفَّارِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ، كَمَا عُرِفَ فِي خُلُقِهِ وَقْتَهُ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ، وَإِذْلَالِ الْمُبْطِلِينَ. وَأَمَّا جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمِثْلِ جَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنَ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ عَلَى عِظَمِ فَضْلِهِ، وَبَارِعِ عِلْمِهِ، وَزِيَادَةِ عِرْفَانِهِ، وَرُسُوخِهِ وَزِيَادَتِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ لَا يَخْفَى، وَهُوَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَ جَوَابَهُ مُفَصَّلًا، وَمِنْ جُمْلَتِهِ قَوْلُهُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُ إِعَادَةُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ امْتِحَان مَا عِنْدَ الصِّدِّيقِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. هَذَا وَفِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّ الصُّلْحَ مَا وَقَعَ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ حَقِيقَةً بِوَحْيٍ، أَوْ بِإِشَارَةٍ، كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) ، أَوْ بِإِلْهَامِ اسْتِنْبَاطٍ لَمَّا رَأَى الْمَصْلَحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى إِتْمَامِ هَذَا الصُّلْحِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ ثَمَرَاتِهِ الْبَاهِرَةِ، وَفَوَائِدِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ الَّتِي كَانَ أَوَّلُهَا فَتَحَ خَيْبَرَ وَتَقَوِّي الْمُسْلِمِينَ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، عَاقِبَتُهَا فَتْحُ مَكَّةَ وَإِسْلَامُ أَهْلِهَا كُلِّهِمْ، وَدُخُولُ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَبْلَ الصُّلْحِ لَمْ يَكُونُوا يَخْتَلِطُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَظَاهَرُ عِنْدَهُمْ أُمُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هِيَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِمَنْ يُعْلِمُهُمْ بِهَا مُفَصَّلَةً فَلَمَّا حَصَلَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ اخْتَلَطُوا بِالْمُسْلِمِينَ، وَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وَذَهَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَكَّةَ، وَخَلَوْا بِأَهْلِهِمْ وَبِأَصْدِقَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْتَنْصِحُونَهُ، وَسَمِعُوا مِنْهُمْ أَحْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعْجِزَاتِهِ الظَّاهِرَةَ، وَأَعْلَامَ نُبُوَّتِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ، وَحُسْنَ سِيرَتِهِ وَجَمِيلَ طَرِيقَتِهِ وَعَايَنُوا بِأَنْفُسِهِمْ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ، فَمَالَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، حَتَّى بَادَرَ خَلْقٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَأَسْلَمُوا بَيْنَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَازْدَادَ الْآخَرُونَ مَيْلًا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ لِمَا كَانَ قَدْ تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَيْلِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ غَيْرَ قُرَيْشٍ فِي الْبَوَادِي يَنْتَظِرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ إِسْلَامَ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ فِي الْبَوَادِي. قَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: ١ - ٢] فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute