للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٤٠٥ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا، فَلَبِسَهُ قَالَ: " شَغَلَنِي هَذَا عَنْكُمْ مُنْذُ الْيَوْمَ، إِلَيْهِ نَظْرَةٌ، وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ " ثُمَّ أَلْقَاهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

٤٤٠٥ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا) : أَيْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (فَلَبِسَهُ، قَالَ: " شَغَلَنِي هَذَا) : أَيِ الْخَاتَمُ عَنْكُمْ أَيْ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكُمْ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِكُمْ (مُنْذُ الْيَوْمَ) : بِنَصْبِ الْيَوْمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهِ،: فِي أُخْرَى بِجَرِّهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مُنْذُ الْيَوْمَ ظَرْفٌ لَشَغَلَنِي مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةٍ حُذِفَ صَدْرُهَا تَقْدِيرُهُ، مُنْذُ كَانَ الْيَوْمُ، هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُنْذُ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِكَ مُنْذُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمُذْ يَوْمَانِ تَلْقَى أَوَّلَ الْمُدَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَمِيعُ الْمُدَّةِ يَوْمَانِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، قِيلَ: إِنَّهُ وَهْمٌ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ، فَإِنَّكَ مُخْبِرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمُدَّةِ بِأَنَّهُ يَوْمَانِ، وَكَذَا اللَّفْظُ لِأَنَّ يَوْمَانِ نَكِرَةٌ لَا مُصَحِّحَ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأً، فَإِنَّ الظَّرْفَ إِنَّمَا يَكُونُ مُصَحِّحًا لِلْمُبْتَدَأِ إِذَا كَانَ ظَرْفًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا لَهُ لَكَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ: الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى طَرِيقِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ (إِلَيْهِ نَظْرَةٌ وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ) : الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِي نَظْرَةٌ إِلَيْهِ وَلِي نَظْرَةٌ إِلَيْكُمْ، وَالْجُمْلَتَانِ مُبَيِّنَتَانِ لِقَوْلِهِ: شَغَلَنِي (ثُمَّ أَلْقَاهُ) : أَيْ طَرَحَ الْخَاتَمَ مِنْ يَدِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ» ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الزُّهْرِيِّ ; لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَاتَمَ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ لَا الْوَرِقِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ; إِنَّ الزُّهْرِيَّ وَهِمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْوَهْمِ بِأَجْوِبَةٍ، أَقْرَبُهَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمَ الذَّهَبِ لِلزِّينَةِ، فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهِ وَافَقَ تَحْرِيمُهُ فَطَرَحَهُ ; وَلِذَا قَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ تِبَعًا لَهُ، وَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ بِهِ، فَاتَّخَذَهُ مِنَ الْفِضَّةِ وَنَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ الْكَرِيمَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، فَرَمَى بِهِ حَتَّى رَمَى النَّاسُ كُلُّهُمْ تِلْكَ الْخَوَاتِيمَ الْمَنْقُوشَةَ عَلَى اسْمِهِ، لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ النَّقْشِ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ، فَلَمَّا عُدِمَتْ خَوَاتِيمُهُمْ بِرَمْيِهَا رَجَعَ إِلَى خَاتَمِهِ الْخَاصِّ بِهِ، فَصَارَ يَخْتِمُ بِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «إِنَّمَا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ» اهـ.

وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لَبِسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ عَلَى قَصْدِ الزِّينَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْشٍ، فَتَبِعَهُ النَّاسُ مُحَافَظَةً عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ، فَرَأَى فِي لُبْسِهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ فَرَمَاهُ، فَرَمَاهُ النَّاسُ، فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ لَهُ لَبِسَهُ، وَقَالَ لِلنَّاسِ: " «إِنَّمَا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا لِلْمَصْلَحَةِ فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ اسْمَنَا، بَلْ يَنْقُشُ اسْمَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ» " وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْخَاتَمِ لِغَيْرِ الْحُكَّامِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>