قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ، وَكَرِهَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ لُبْسَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ، وَرَوَوْا فِيهِ أَثَرًا وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَلْقَى خَاتَمَهُ أَلْقَى النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ إِلَى آخِرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ. قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ الظَّاهِرُ الْعَامُّ الْمُحْتَمَلُ سَبَبًا لِرَدِّ الْخَاصِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ أَوَائِلِ الْأَمْرِ، وَقَدْ نُسِخَ حُكْمُهُ، وَحَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ مِمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْجَوَازِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، وَكَرَاهَتُهُ لِبَعْضِ النَّاسِ بِالْخُصُوصِ ; وَلِذَا قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ خِلَافُ الْأَوْلَى ; لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّزَيُّنِ، وَالْأَلْيَقُ بِحَالِ الرِّجَالِ خِلَافُهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَتَكُونُ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ هِيَ الصَّارِفَةُ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الزِّينَةِ وَالْخَاتَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute