٤٦٣٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٤٦٣٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى) أَيْ: وَلَوْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكُفَّارِ (بِالسَّلَامِ) : لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ إِعْزَازٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إِعْزَازُهُمْ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَوَادُدُهُمْ وَتَحَابُبُهُمْ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ. وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِذْلَالِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ) أَيِ: أَلْجِئُوا أَحَدَهُمْ (إِلَى أَضْيَقِهِ) أَيْ: أَضْيَقِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ جِدَارٌ يَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، وَإِلَّا فَيَأْمُرُهُ لِيَعْدِلَ عَنْ وَسَطِ الطَّرِيقِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ جَزَاءً وِفَاقًا، لِمَا عَدَلُوا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ; وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ وَاجِبٌ، لَكِنِ ارْتَفَعَ بِالْجِزْيَةِ وَمَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ، فَهَذَا قَتْلٌ مَعْنَوِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَلَا يُحَرَّمُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ، فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ سَلَّمْتَ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ، وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ. قُلْتُ: التَّرْكُ أَصْلَحُ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَخَوْفٍ مِنْ مَفْسَدَةٍ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَبَانَ ذِمِّيًّا اسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي تَحْقِيرًا لَهُ. قُلْتُ: وَلَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا لِلْمُبْتَدِعِ، أَوْ لِلْمُبَاغِضِ، أَوِ الْمُتَكَبِّرِ الَّذِينَ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ السَّلَامَ. قَالَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُتْرَكُ لِلذِّمِّيِّ صَدْرُ الطَّرِيقِ، بَلْ يُضْطَرُّ إِلَى أَضْيَقِهِ، وَلَكِنَّ التَّضْيِيقَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ خَلَتِ الطَّرِيقُ عَنِ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute