قَوْلِهِ: زَعَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَكَذَا حَيْثُ أَسْنَدَ إِلَى النَّاسِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ إِنْشَاءً مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا جَزَمَ بِهِ، بَلْ عَبَّرَ بِالزَّعْمِ الَّذِي بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَالِافْتِرَاءِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: ٧] ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا إِذَا أَسْنَدَ إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ، أَوْ نَسَبَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ كَذَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَاصِلُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَبْدِيلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةِ، فَإِمَّا أَنْ يُحَقِّقَ الْكَلَامَ وَيَنْسُبَهُ إِلَى قَائِلِهِ، أَوْ يَسْكُتَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» " وَلَعَلَّ وَجْهَ مُنَاسَبَةِ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْبَابِ مُجَرَّدُ التَّغْيِيرِ لِلْأَمْرِ الْمَذْمُومِ أَعَمُّ مِنْ أَنَّ يَكُونَ اسْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَا الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ، وَقَوْلُهُ فِي زَعَمُوا أَيْ: فِي شَأْنِ زَعَمُوا وَأَمْرِهِ، أَيْ: هَلْ كَانَ يَرْضَى بِهِ قَوْلًا أَمْ لَمْ يَرْضَ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيَدْخُلَ فِي بَابِ تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ الشَّنِيعَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ» "، يَعْنِي: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْثِرَ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ زَعْمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَيَنْسُبُ الْكَذِبَ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ وَتَيَقَّنَ كَذِبَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَحْتَرِزَ النَّاسُ عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التغابن: ٧] ، {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: ٤٨] . {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٢٢] اهـ. وَلَيْسَ مَسْلَكٌ غَيْرَ مَا شَرَحَهُ الشُّرَّاحُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَيْ: هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ. (وَقَالَ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ (إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: الْمَذْكُورَ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ. (هُوَ حُذَيْفَةُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute