وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إِلَى الْجِنْسِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِنْسَانِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ الْخَبَرُ، كَذَا قَرَّرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: ٢٤] ، وَقَوْلُهُمْ: هِيَ الْعَرَبُ تَقُولُ مَا شَاءَتْ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: (أَقْوَامٌ) مِنْ بَابِ سَوْقِ الْمَعْلُومِ مَسَاقَ غَيْرِهِ، وَهُمْ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ نَكَّرَهُمْ وَجَعَلَهُمْ غَائِبِينَ، ثُمَّ الْتَفَتَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ وَسُخْطٍ مُتَتَابِعٍ. كَانَ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَفَاخَرُوا بِأَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ، كَالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ وَأَضْرَابِهِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ
فَوَبَّخَهُمْ وَزَجَرَهُمْ وَسَفَّهَ رَأْيَهُمْ، وَالْمَعْنَى: لِيَنْتَهِ مَنْ شَرَّفَهُ اللَّهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ حُلَلَ الْإِسْلَامِ، وَرَفَعَهُ مِنْ حَضِيضِ الْكُفْرِ إِلَى يَفَاعِ الْإِيمَانِ عَنْ هَذِهِ الشَّنْعَاءِ، وَإِلَّا فَيَحُطُّهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَيَرُدُّهُ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ مِنَ الْكُفْرِ وَالذُّلِّ، فَإِنَّ تَشْبِيهَهُمْ بِأَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى: مَا ذَاكَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ تَقِيٌّ، وَمَا ذَاكَ الذَّلِيلُ الدَّنِيءُ عِنْدَهُ إِلَّا فَاجِرٌ شَقِيٌّ، ثُمَّ رَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَاكَ الْعُنْفِ إِلَى اللُّطْفِ، وَمِنَ التَّوْبِيخِ إِلَى إِسْمَاعِ الْحَقِّ قَائِلًا: وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: ١٣] ، إِلَى قَوْلُهُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، وَفِي ذِكْرِ التُّرَابِ إِشَارَةٌ إِلَى نُقْصَانِهِمْ، وَأَنَّهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ طُفُّ الصَّاعِ بِالصَّاعِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " «كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلَانِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute