٤ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤ - (وَعَنْ) أَيْ: وَرُوِيَ عَنِ (ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) : أَسْلَمَ مَعَ أَبِيهِ بِمَكَّةَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالزُّهْدِ قَالَ جَابِرٌ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَمَالَ بِهَا مَا خَلَا عُمَرَ، وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ.
وَقَالَ نَافِعٌ: مَا مَاتَ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى أَعْتَقَ أَلْفَ إِنْسَانٍ أَوْ زَادَ، وُلِدَ قَبْلَ الْوَحْيِ بِسَنَةٍ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي الْحِلِّ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْحَجَّاجِ، وَدُفِنَ بِذِي طُوًى فِي مَقْبَرَةِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ أَمَرَ رَجُلًا فَسَمَّ زُجَّ رُمْحِهِ، وَزَاحَمَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَوَضَعَ الزِّجَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ يَوْمًا، وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْتَظِرُكَ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضُرَّكَ الَّذِي فِي عَيْنِكَ. قَالَ: " لَا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ سَفِيهٌ مُسَلَّطٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخْفَى قَوْلَهُ ذَلِكَ عَنِ الِحَجَّاجِ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ، وَكَانَ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِعَرَفَةَ، وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَعِزُّ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْخِلَافَةَ فَحَصَلَ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً. رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ) ] هُوَ: اسْمٌ لِلشَّرِيعَةِ دُونَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِذْعَانِ بِالْقَلْبِ، وَالِاسْتِسْلَامِ بِجَمِيعِ الْقُوَى وَالْجَوَارِحِ: فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الِأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ لَهُ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ أَرْكَانِهِ مَعَ إِيمَاءٍ إِلَى بَقِيَّةِ شُعَبِ إِيمَانِهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ إِنَّمَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الثَّلَاثِ. [ (عَلَى خَمْسٍ) ] أَيْ: خَمْسِ دَعَائِمَ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ، أَوْ خِصَالٍ أَيْ: قَوَاعِدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِالتَّاءِ أَيْ: خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، أَوْ أَرْكَانٍ، أَوْ أُصُولٍ، وَإِنَّمَا جَازَ هُنَا لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ شُبِّهَتْ حَالَةُ الْإِسْلَامِ مَعَ أَرْكَانِهِ الْخَمْسِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ بِحَالِ خِبَاءٍ أُقِيمَ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ، وَقُطْبُهَا الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الْأَرْكَانُ هِيَ الشَّهَادَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ لَفَظُ الشَّهَادَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْعَمُودِ الْوَسَطِ لِلْخَيْمَةِ، وَبَقِيَّةُ شُعَبِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْتَادِ لِلْخِبَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَجْمَعِ شُهُودِ جِنَازَةٍ لِلْفَرَزْدَقِ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْمَقَامِ؟ فَقَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُنْذُ كَذَا سَنَةً. فَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا الْعَمُودُ فَأَيْنَ الْأَطْنَابُ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِخَيْمَةٍ عَمُودُهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَالْأَطْنَابُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ [ (شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ] : بِالْجَرِّ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ خَمْسٍ بَدَلَ كُلٍّ، وَهُوَ مَجْمُوعُ الْمَجْرُورَاتِ الْمُتَعَاطِفَةِ مِنْ كُلٍّ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ مَعَ مُلَاحَظَةِ الرَّبْطِ قَبْلَ الْعَطْفِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute