للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهَا وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْهَا بِلَفْظِ: «لَمْ يَكْذِبْ مَنْ يَنِمُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ» . (وَزَادَ مُسْلِمٌ) : أَيْ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْمُرَخَّصِ لِلْكَذِبِ حَيْثُ (قَالَتْ) : أَيِ الرَّاوِيَةُ (وَلَمْ أَسْمَعْهُ) : لَعَلَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ عَلَى كَلَامٍ سَبَقَ لَهَا غَيْرَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ رَاجِعٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَا قَالَ الرَّاوِي عَنْهَا (تَعْنِي) أَيْ: تُرِيدُ بِضَمِيرِ اسْمِهِ. (النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ) : قَالَ مِيرَكُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ (مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ) : بِالرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ، وَفِي أُخْرَى بِالْجَرِّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ وَالسُّكُونُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: كَذِبٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مَقُولٌ لِلْقَوْلِ، وَمِمَّا يَقُولُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي شَيْءٍ أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِ النَّاسِ هُوَ كَذِبٌ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى لَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي أَيْ فِي حَقِّهِ كَذِبٌ (إِلَّا فِي ثَلَاثٍ) : أَيْ كِذْبَاتٍ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ شَيْءٍ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ. قَالَ: وَإِنْ رُوِيَ مَنْصُوبًا كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ قَوْلًا كَذِبًا أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَفْعُولِ يَقُولُ الْمُقَدَّرِ الْعَائِدِ إِلَى الْمَوْصُولِ. قَالَ: وَإِنْ رُوِيَ مَجْرُورًا كَانَ صِفَةً أُخْرَى لِشَيْءٍ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ شَيْءٍ أَوْ مِنَ الْمَوْصُولِ. (الْحَرْبِ) ، بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ وَسَبَقَ تَحْقِيقُهُ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَحَدِهَا أَوْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْهَا، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِأَعْنِي وَالرِّوَايَةُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ هِيَ الْأُولَى فَهِيَ الْأَوْلَى، قِيلَ: الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ كَأَنَّ يَقُولَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَجَاءَهُمْ مَدَدٌ كَثِيرٌ، أَوْ يَقُولُ: انْظُرْ إِلَى خَلْفِكَ، فَإِنَّ فُلَانًا قَدْ أَتَاكَ مِنْ وَرَائِكَ فَيَضْرِبُكَ ذَكَرُهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ) ، أَيْ ثَانِيَتُهَا وَثَالِثُهَا مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: (وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) . أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمُعَاشَرَةِ وَحُصُولِ الْأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا قَالُوا: وَالْأَخِيرَةُ عَاطِفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمَا قَبْلَهَا مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ عَطْفٌ عَلَى السَّابِقِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَهُمَا فِي قُوَّةِ حَدِيثِ الزَّوْجَيْنِ لِيَكُونَ الثَّالِثَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ أُمُورٌ قَدْ يَضْطَرُّ الْإِنْسَانُ فِيهَا إِلَى زِيَادَةِ الْقَوْلِ وَمُجَاوَزَةِ الصِّدْقِ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَقَدْ رَخَّصَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فِي الْيَسِيرِ مِنَ الْإِفْسَادِ لِمَا يُؤْمَلُ فِيهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْإِصْلَاحِ، فَالْكَذِبُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ هُوَ أَنْ يَنْمِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى صَاحِبِهِ خَيْرًا وَيُبْلِغُهُ جَمِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ أَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً وَيَتَحَدَّثَ بِمَا يُقَوِّي بِهِ أَصْحَابَهُ وَيَكِيدَ بِهِ عَدُوَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» "، وَأَمَّا كَذِبُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ هُوَ أَنْ يَعِدَهَا وَيُمَنِّيَهَا وَيُظْهِرَ لَهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ يَسْتَدِيمَ بِذَلِكَ صُحْبَتَهَا وَيَصْلُحَ بِهِ خُلُقُهَا. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اعْتَذَرَ إِلَى رَجُلٍ بِحَرْفِ الْكَلَامِ وَلَحْنِهِ لِيُرْضِيَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا، وَقَوْلُهُ: وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ لِيَسْتَقِيمَ مَعًا إِلَّا فِي ثَلَاثٍ.

(وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ) أَيْ: مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ (فِي بَابِ الْوَسْوَسَةِ) . أَيْ لِكَوْنِهِ أَنْسَبَ بِهِ فِي حَاصِلِ الْمَعْنَى، لَاسِيَّمَا صَدْرُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيشُ مُفَسَّرًا بِالْمَعَاصِي الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا عُنْوِنَ بِهَذَا الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>