للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٧٦ - وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

٥١٧٦ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَلَا ") : لِلتَّنْبِيهِ (" إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ") أَيْ: مَبْعُودَةٌ مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهَا مُبْعَدَةً عَنِ اللَّهِ (" مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ") أَيْ: مِمَّا يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ (" إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ ") بِالرَّفْعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. (" وَمَا وَالَاهُ ") أَيْ: أَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَفْعَالِ الْقُرْبِ، أَوْ مَعْنَاهُ مَا وَالَى ذِكْرَ اللَّهِ أَيْ: قَارَبَهُ مَنْ ذَكَرَ خَيْرًا وَتَابَعَهُ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُوجِبُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْمُوَالَاةُ الْمَحَبَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا يَعْنِي مَلْعُونٌ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ مِمَّا يَجْرِي وَالدُّنْيَا وَمَا سِوَاهُ مَلْعُونٌ. وَقَالَ الْأَشْرَفُ: هُوَ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ، وَيَجُورُ أَنْ يُرَادَ بِمَا يُوَالِي ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ. (" وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ ") : أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، فَيَكُونُ الْوَاوَانِ بِمَعْنَى " أَوْ " قَالَ الْأَشْرَفُ قَوْلُهُ: وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَرْفُوعٌ، وَاللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْمُوجَبِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ وَبِالرَّفْعِ، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ إِلَّا أَنَّ بَدَلَ أَوْ فِيهِ الْوَاوُ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا بِالنَّصْبِ مَعَ أَوْ مُكَرَّرًا، وَالنَّصْبُ فِي الْقَرَائِنِ الثَّلَاثِ هُوَ الظَّاهِرُ وَالرَّفْعُ فِيهَا عَلَى التَّأْوِيلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: الدُّنْيَا مَذْمُومَةٌ لَا يُحْمَدُ فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَعَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْإِحْيَاءِ: الدُّنْيَا أَدْنَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ دُنْيَا وَهِيَ مَعْبَرَةٌ إِلَى الْآخِرَةِ، وَالْمَهْدُ هُوَ الْمِيلُ الْأَوَّلُ، وَاللَّحْدُ هُوَ الْمِيلُ الثَّانِي وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ هِيَ الْقَنْطَرَةُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَعْيَانٍ مَوْجُودَةٍ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا حَظٌّ، وَلَهُ فِي إِصْلَاحِهَا شُغْلٌ، وَيَعْنِي بِالْأَعْيَانِ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمَعَادِنِ، وَيَعْنِي بِالْحَظِّ حُبَّهَا فَيَنْدَرِجُ فِيهَا جَمِيعُ الْمُهْلِكَاتِ الْبَاطِنَةِ كَالرِّيَاءِ وَالْحِقْدِ وَغَيْرِهِمَا. وَنَعْنِي بِقَوْلِنَا فِي إِصْلَاحِهَا شُغْلٌ أَنَّهُ يُصْلِحُهَا بِحَظٍّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ دُنْيَوِيٌّ أَوْ أُخْرَوِيٌّ، فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْحِرَفُ الصِّنَاعَاتُ، وَإِذَا عَرَفْتَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَدُنْيَاكَ مَا لَكَ فِيهِ لَذَّةٌ فِي الْعَاجِلِ، وَهِيَ مَذْمُومَةٌ، فَلَيْسَتْ وَسَائِلُ الْعِبَادَاتِ مِنَ الدُّنْيَا كَأَكْلِ الْخُبْزِ مَثَلًا لِلتَّقَوِّي عَلَيْهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ: الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ وَمَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْهَا» " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَجُزْءٌ لِلْمُنَافِقِ، وَجُزْءٌ لِلْكَافِرِ، فَالْمُؤْمِنُ يَتَزَوَّدُ، وَالْمُنَافِقُ يَتَزَيَّنُ، وَالْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>