للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ كَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِمْ بِنَاءً عَلَى نِهَايَةِ حَاجَتِهِمْ، وَغَايَةِ فَاقَتِهِمْ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِينَ إِمَّا قَالًا وَإِمَّا حَالًا، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ، فَوَقَعَ أَيِ: السُّؤَالُ لِكُلِّهِمَا مَعَ وُجُودِ الدِّينَارِ لَهُمَا حَرَامًا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ بِصُورَةِ الْفُقَرَاءِ مِنْ لُبْسِ الْخَلَقِ أَوْ زِيِّ الشَّحَّاذِينَ، وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ النُّقُودِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَأَخَذَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَأَكَلَ، فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ شَرِيفًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطَابِقًا، وَأُعْطِيَ لِأَجْلِ عِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ شَرَفِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الْكَازَرُونِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَأَى جَمْعًا مِنَ الْفُقَرَاءِ يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ تَكِيَّةٍ فَقَالَ: يَا أَكَلَةَ الْحَرَامِ! فَامْتَنَعُوا عَنِ الْأَكْلِ، فَقَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا يَأْكُلُ وَإِلَّا فَلَا. فَأَكَلَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ! طَعَامٌ وَاحِدٌ حَرَامٌ لِقَوْمٍ وَحَلَالٌ لِآخَرِينَ، فَلْيَحْذَرْ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ أَعَزَّهُمَا اللَّهُ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَالْحَالُ أَنَّهُ غِنًى شَرْعِيٌّ مِنَ الْأَوْقَافِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَكَنَ الْخَلَاوِيَ الْمَوْقُوفَةَ لِلْمَسَاكِينِ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ الْغَنِيَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ فِي خَلَاوِي إِلَّا رَابِطَةً، وَلَا يَغْتَرَّ أَحَدٌ بِمَا اشْتُهِرَ مِنْ أَوْقَافِ الْحَرَمَيْنِ عَامٌّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عِنْدَنَا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ إِذَا كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ، وَبَدَأَ يَظْهَرُ أَنَّ إِمَامَنَا الْأَعْظَمَ، وَمُقْتَدَانَا الْأَقْوَمَ لَوْ كَانَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَشَاهَدَ سُكَّانَ هَذَا الْمَكَانِ لَقَالَ بِحُرْمَةِ الْمُجَاوَرَةِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ كَرَاهَتِهَا، لِعَدَمِ مَنْ يَقُولُ بِحَقِّ عَظَمَتِهَا وَحُرْمَتِهَا إِلَّا نَادِرًا، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>