للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ) : إِنِّي عَلَى مَا فِي نُسْخَةٍ (لَسْتُ هُنَاكُمْ) : قَالَ شَارِحٌ: أَيْ لَسْتُ فِي مَكَانِ الشَّفَاعَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: هُنَاكُمْ إِلَى الْبُعْدِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِنَّمَا يَقُولُونَهُ تَوَاضُعًا، وَإِكْبَارًا لِمَا يَسْأَلُونَهُ، وَقَدْ يَكُونُ إِشَارَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ، وَهَذَا الْمَقَامَ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ صَاحِبَهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَيَّنًا، وَيَكُونُ إِحَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ، لِأَنْ تَنْدَرِجَ الشَّفَاعَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُبَادَرَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ، وَإِجَابَتُهُ لِرَغْبَتِهِمْ ; لِتَحَقُّقِهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ وَالْمَقَامَ لَهُ خَاصَّةً. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَهُمْ سُؤَالَ آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَمْ يُلْهَمُوا سُؤَالَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارًا لِفَضِيلَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ غَيْرَهُ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إِذَا سَأَلُوا غَيْرَهُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْفِيَائِهِ، فَامْتَنَعُوا، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَجَابَ، وَحَصَلَ غَرَضُهُمْ، فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي ارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ وَكَمَالِ الْقُرْبِ، وَفِيهِ تَفْضِيلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الرُّسُلِ الْآدَمِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

(وَيَذْكُرُ) أَيْ: نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ (خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ - يَعْنِي سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ -) أَيْ: قَوْلَهُ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] إِلَى آخِرِهِ، وَكَانَ سُؤَالُهُ إِنْجَاءَ ابْنِهِ، وَكَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا السُّؤَالُ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: ٤٦] إِلَى آخِرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَوْقِعُ سُؤَالِهِ هُنَا مَوْقِعُ أَكْلِهِ فِي الْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ، وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِلْمٍ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فِي سُؤَالِهِ، أَيْ: صَادِرًا عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَرَبَّهُ مَفْعُولُ سُؤَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّؤَالِ قَوْلُهُ: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ; طَلَبَ أَنْ يُنْجِيَهُ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنَّهُ سَأَلَ مَا لَا يَجُوزُ سُؤَالُهُ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: ٤٦] ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥] أَيْ: وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَ أَهْلِي مِنَ الْغَرَقِ، وَأَنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فَنَجِّهِ، قِيلَ لَهُ: مَا شَعَرْتَ مَنِ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ، وَهُوَ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَإِنَّ ابْنَكَ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ. (وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كَذَبَهُنَّ -) : بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: قَالَهُنَّ كَذِبًا. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِحْدَى الْكِذْبَاتِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] ، وَثَانِيَتُهَا قَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣] ، وَثَالِثَتُهَا قَوْلُهُ لِسَارَةَ: هِيَ أُخْتِي وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَعَارِيضُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ صُورَتُهَا صُورَةَ الْكَذِبِ سَمَّاهَا أَكَاذِيبَ، وَاسْتَنْقَصَ مِنْ نَفْسِهِ لَهَا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ بِاللَّهِ وَأَقْرَبَ مِنْهُ مَنْزِلَةً كَانَ أَعْظَمَ خَطَرًا وَأَشَدَّ خَشْيَةً، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ سَائِرُ مَا أُضِيفَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْخَطَايَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْكَامِلُ قَدْ يُؤَاخَذُ بِمَا هُوَ عِبَادَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، كَمَا قِيلَ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. (وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ) : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ وَبَيَانٍ، وَالْمَعْنَى: أَعْطَاهُ (التَّوْرَاةَ) : وَهِيَ أَوَّلُ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ الْمُنَزَّلَةِ (وَكَلَّمَهُ) أَيْ: بِلَا وَاسِطَةٍ (وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا) أَيْ: مُنَاجِيًا لَهُ أَوْ مُنَاجًى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ. (قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ - قَتْلَهُ النَّفْسَ -) أَيْ: نَفْسَ الْقِبْطِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ (وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>