إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ» . (وَأَخْدَمَ هَاجَرَ) أَيْ: أُمَّ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيلَ: سُمِّيَتْ هَاجَرُ لِأَنَّهَا هَاجَرَتْ مِنَ الشَّامِ إِلَى مَكَّةَ. وَقِيلَ: كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ مِنْ سَارَةَ، فَوَهَبَتْ هَاجَرَ لَهُ وَقَالَتْ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْهَا وَلَدًا، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَئِذٍ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ.
(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ) أَيْ: هَاجَرُ (أُمُّكُمْ) أَيْ: جَدَّتُكُمْ (يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: قِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْعَرَبَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الْمَطَرَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِهِ، وَالْعَرَبُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ بَطْنِ هَاجَرَ، لَكِنْ غَلَبَ أَوْلَادُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْأَنْصَارَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَزْدِيِّ، جَدِّ نُعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ كَانَ مُلَقَّبًا بِمَاءِ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُسْتَمْطَرُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَسَمَّاهُمْ بِذَلِكَ لِطَهَارَةِ نَسَبِهِمْ وَشَرَفِ أُصُولِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقِيلَ: أَشَارَ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ مِنْ وَلَدِ هَاجَرَ، لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ زَمْزَمَ وَهِيَ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا شَهِدَ لَهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ سَاحَةٍ، فَمَا بَالُهُ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَا مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ فَذَكَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي عَلَى أَنَّ تَسْمِيَتَهَا وَإِنَّهَا مَعَارِيضُ بِالْكَذَبَاتِ إِخْبَارُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ؟ قُلْتُ: نَحْنُ وَإِنْ أَخْرَجْنَاهَا عَنْ مَفْهُومِ الْكَذَبَاتِ بِاعْتِبَارِ التَّوْرِيَةِ، وَسَمَّيْنَاهَا مَعَارِيضَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ صُورَتَهَا صُورَةُ التَّعْوِيجِ عَنِ الْمُسْتَقِيمِ، فَالْحَبِيبُ قَصَدَ إِلَى بَرَاءَةِ سَاحَةِ الْخَلِيلِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، فَسَمَّاهَا مَعَارِيضَ، وَالْخَلِيلُ لَمَّحَ إِلَى مَرْتَبَةِ الشَّفَاعَةِ هُنَالِكَ، وَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْحَبِيبِ، فَتَجَوَّزَ بِالْكَذَبَاتِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute