٥٧٠٥ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: ٢٦٠] وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٧٠٥ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: ٢٦٠] » : تَمَامُهُ: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠] قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ شَكًّا، بَلْ كَانَ طَلَبًا لِمَزِيدِ الْعِلْمِ، وَأَنَا أَحَقُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤] وَأُطْلِقَ الشَّكُّ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمِزِّيُّ: مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الشَّكُّ مُتَطَرِّقًا إِلَيْهِ، لَكُنْتُ أَحَقُّ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكَّ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى نَفْسِهِ تَوَاضُعًا، أَوْ لِصُدُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ خَيْرُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَمَّا سُؤَالُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلِلتَّرَقِّي مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ رَبَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ طَلَبَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ دَلِيلُهُ عِيَانًا، وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَذْهَبُ هَذَا الْحَدِيثِ التَّوَاضُعُ وَالْهَضْمُ مِنَ النَّفْسِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ هَذَا اعْتِرَافٌ بِالشَّكِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، لَكِنَّ فِيهِ نَفْيُ الشَّكِّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: إِذَا لَمْ أَشُكَّ أَنَا وَلَمْ أَرْتَبْ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، فَإِبْرَاهِيمُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَشُكَّ فِيهِ وَلَا يَرْتَابَ بِهِ، وَفِيهِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قِبَلِ إِبْرَاهِيمَ لَمْ تُعْرَضُ مِنْ جِهَةِ الشَّكِّ، لَكِنْ مِنْ قِبَلِ طَلَبِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ، وَاسْتِفَادَةِ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْإِحْيَاءِ، وَالنَّفْسُ تَجِدُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ بِعِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ مَا لَمْ تَجِدْهُ بِعِلْمِ الْأُمْنِيَّةِ، وَالْعِلْمُ فِي الْوَجْهَيْنِ حَاصِلٌ وَالثَّالِثُ مَرْفُوعٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا طَلَبَ الْإِيمَانَ حِسًّا وَعِيَانًا، لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَالْمُسْتَدِلُ لَا تَزُولُ عَنْهُ الْوَسَاوِسُ وَالْخَوَاطِرُ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» " انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ عِلْمُهُمْ مِنْ بَابِ الْكَشْفِ وَالْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ، وَالْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ الَّذِي لَهُمْ فِي السَّرَائِرِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَرَدُّدُ الْخَوَاطِرِ، وَتَوَسْوُسُ الضَّمَائِرِ، نَعَمْ مَرْتَبَةُ عَيْنِ الْيَقِينِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ عِلْمِ الْيَقِينِ، وَأَنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute