للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧٢٥ - «عَنْ أَبِي رَزِينٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: " كَانَ فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: الْعَمَاءُ أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ.

ــ

٥٧٢٥ - (عَنْ أَبِي رَزِينٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ لَقْيَطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ صَبْرَةَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَصَبْرَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، عُقَيْلِيٌّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، عِدَادُهُ فِي الطَّائِفِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَاصِمٌ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ) ؟ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَكَانَ مَعَ الزَّمَانِ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِهِ مَعْدُودَانِ، فَلَوْلَا التَّأْوِيلُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ لَأَوَّلُ السُّؤَالِ وَآخِرُهُ يَتَعَارَضَانِ، وَسَيَجِيءُ بَيَانُ كَشْفِ الْمَعْنَى مِنَ الشُّرَّاحِ الْأَعْيَانِ (قَالَ: " كَانَ فِي عَمَاءٍ ") : بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا أَيْ: فِي غَيْبِ هُوُيَّةِ الذَّاتِ بَلَا ظُهُورِ مَظَاهِرِ الصِّفَاتِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: كُنْتُ كَنْزًا مَخْفِيًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ، فَخَلَقْتُ الْخَلْقَ لِأُعْرَفَ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] إِشَارَةً إِلَيْهِ، وَدَلَالَةً عَلَيْهِ عَلَى تَفْسِيرِ حَبْرِ الْأُمَّةِ أَيْ لِيَعْرِفُونِ. قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدَّوْلَةَ فِي كِتَابِهِ (الْعُرْوَةُ) فَأَثْبَتَ تَجَلِّيَ الذَّاتِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: كُنْتُ كَنْزًا مَخْفِيًا ثُمَّ تَجَلِّيهِ بِالصِّفَةِ الْآحِدِيَّةِ بِقَوْلِهِ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ. ثَانِيًا: ثُمَّ تَجَلِّيهِ بِالصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِقَوْلِهِ: فَخَلَقْتُ الْخَلْقَ لِأُعْرَفَ. ثَالِثًا: وَفِي اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ لِلْكَاشِيِّ الْعَمَاءُ هِيَ الْحَضْرَةُ الْآحِدِيَّةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَهُوَ فِي حِجَابِ الْجَلَالِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْآحِدِيَّةِ الْجَمْعَ، فَإِنَّهَا بَيْنَ غَيْبِ الْغُيُوبُ، وَبَيْنَ آحِدِيَّةِ الصُّوفِيَّةِ، فَإِنَّهَا بَيْنَ أَحَدِيَّةِ الْجَمْعِ وَبَيْنَ الْوَاحِدِيَّةِ، وَهَذِهِ الْبَيْنُونَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَمَاءَ فِي اللُّغَةِ غَيْمٌ رَقِيقٌ يَحُولُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْآحِدِيَّةِ الصُّوفِيَّةِ حَائِلَةٌ بَيْنَ سَمَاءِ الذَّاتِ وَأَرْضِ الْكَثْرَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَضْرَةُ الْوَاحِدِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، لِأَنَّ الْعَمَاءَ هُوَ الْغَيْمُ الرَّقِيقُ، وَالْغَيْمُ هُوَ الْحَائِلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَهَذِهِ الْحَضْرَةُ الْوَاحِدِيَّةُ هِيَ الْحَائِلَةُ بَيْنَ سَمَاءِ الْآحِدِيَّةِ الصِّرْفَةِ، وَبَيْنَ أَرْضِ الْكَثْرَةِ الْخِلْقِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلَ الْفَارِقُ الْجَامِيُّ شَرْحًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ التَّحْقِيقَ، عَلَيْكَ بِذَلِكَ التَّصْنِيفِ، فَقَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ، وَتَبِعَ كُلُّ فَرِيقٍ مَذْهَبَهُمْ، هَذَا وَفِي الْفَائِقِ الْعَمَاءُ: هُوَ السَّحَابُ الرَّقِيقُ، وَقِيلَ: السَّحَابُ الْكَثِيفُ الْمُطْلَقُ، وَقِيلَ: شِبْهُ الدُّخَانِ يَرْكَبُ رَأْسَ الْجِبَالِ، وَعَنِ الْجَرْمِيِّ الضَّبَابُ، وَفِي النِّهَايَةِ الْعَمَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ السَّحَابُ. وَفِي الْقَامُوسِ: هُوَ السَّحَابُ الْمُرْتَفِعُ، أَوِ الْكَثِيفُ، أَوِ الْمَطَرُ الرَّقِيقُ، أَوِ الْأَسْوَدُ، أَوِ الْأَبْيَضُ، أَوْ هُوَ الَّذِي هَرَاقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>