للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَدَاهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: ٢٨] وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحِرْزِ حِفْظَ قَوْمِهِ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، أَوِ الْحِفْظَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا دَامَ فِيهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] (أَنْتَ عَبْدِي) أَيْ: الْخَاصُّ كَمَا وَصَفَهُ بِالْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} [التوبة: ٣٣] فَالْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ كَمَا قَالَ: أَكْرَمَ زَيْدٌ عَبْدَهُ إِذَا كَانَ لَهُ عَبِيدٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ اسْمُ الْجِنْسِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْأَكْمَلُ فَتَأَمَّلْ. (سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ) ، أَيْ: خَصَصْتُكَ بِهَذَا الْوَصْفِ لِكَمَالِ تَوَكُّلِكَ عَلَيَّ وَتَفْوِيضِكَ إِلَيَّ وَتَسْلِيمِكَ لَدَيَّ عَمَلًا بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَتَوَكَلْ عَلَى اللَّهِ، وَتَوَكَلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: ١٣٢] ، {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١] ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ (لَيْسَ بِفَظٍّ) : الْتِفَاتٌ فِيهِ تَضَمُّنٌ لِلْفَنَنِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آيَةً أُخْرَى فِي التَّوْرَاةِ لِبَيَانِ صِفَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُتَوَكِّلِ أَوْ مِنَ الْكَافِ فِي سَمَّيْتُكَ، فَعَلَى هَذَا فِيهِ الْتِفَاتٌ اه.

وَالْمَعْنَى لَيْسَ بِسَيِّئِ الْخُلُقِ أَوِ الْقَوْلِ، (وَلَا غَلِيظٍ) أَيْ: ضَخْمٍ كَرِيهِ الْخُلُقِ، أَوْ سَيِّئَ الْفِعْلِ، أَوْ غَلِيظِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} [آل عمران: ١٥٩] أَيْ: شَدِيدَهُ وَقَاسِيَهُ، فَيُنَاسِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْفَظُّ مَعْنَاهُ بَذَاذَةُ اللِّسَانِ، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى طَهَارَةِ عُضْوَيْهِ الْكَرِيمَيْنِ مِنْ دَنَسِ الطَّبْعِ وَوَسَخِ هَوَى النَّفْسِ الذَّمِيمَيْنِ، وَقَدْ قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَظًّا فِي الْقَوْلِ، غَلِيظًا فِي الْفِعْلِ (وَلَا سَخَّابٍ) : بِتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: صَيَّاحٍ (فِي الْأَسْوَاقِ) . قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: هُوَ لَيِّنُ الْجَانِبِ شَرِيفُ النَّفْسِ، لَا يَرْفَعُ الصَّوْتَ عَلَى النَّاسِ لِسُوءِ خُلُقِهِ، وَلَا يُكْثِرُ الصِّيَاحَ عَلَيْهِمْ فِي السُّوقِ لِدَنَاءَتِهِ، بَلْ يُلِينُ جَانِبَهُ لَهُمْ وَيَرْفُقُ بِهِمْ. قُلْتُ: فَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩] أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: ٣٧] (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: ٩٦] الْآيَةَ. وَإِطْلَاقُ السَّيِّئَةِ عَلَى جَزَائِهَا إِمَّا لِلْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِي صُورَةِ السَّيِّئَةِ، أَوْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى دَفْعِهَا بِالْحَسَنَةِ كَأَنَّهَا سَيِّئَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. (وَلَكِنْ يَعْفُو) أَيْ: عَنِ الْمُسِيءِ (وَيَغْفِرُ) أَيْ: يَسْتُرُ، أَوْ يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: ١٣] ، وَقَوْلُهُ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: ١٥٩] وَهَذَا أَقْرَبُ مَرَاتِبِ مُعَامَلَتِهِ مَعَ الْمُسِيئِينَ، وَقَدْ كَانَ يُقَابِلُهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] (وَلَنْ يَقْبِضَهُ) : بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنُّونِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ وَكَذَا الْتِفَاتٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَنْ يَقْبِضَهُ يَاءُ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ عَلَى رِوَايَةِ الْمِشْكَاةِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ (حَتَّى يُقِيمَ بِهِ) أَيْ: بِوَاسِطَتِهِ (الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ) : كَمَا فِي التَّنْزِيلِ ذَمًّا لِلْكُفَّارِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا. وَقَالَ فِي مَدْحِ دِينِ الْإِسْلَامِ. {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ - وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٣٦ - ٥٢] قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِهِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهَا قَدِ اعْوَجَّتْ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ فَزِيدَتْ وَنُقِصَتْ وَغُيِّرَتْ وَبُدِّلَتْ، وَمَا زَالَتْ حَتَّى قَامَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهَا أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا. (بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) : مُتَعَلِّقٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>