٥٧٩١ - وَعَنْهُ، «كَانَ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمَشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ، ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى يَتَقَلَّعُ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عَشِيرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٥٧٩١ - (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (كَانَ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: مِنْ جِهَةِ خَلْقِهِ (قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ) ، بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ: الْمَمْدُودِ مِنَ الْمَغْطِ وَهُوَ الْمَدُّ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِانْفِعَالِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَخَطَّأَ الْمُحَدِّثِينَ فِي جَعْلِهِ اسْمَ فَاعِلٍ مِنَ التَّمْغِيطِ، وَوَافَقَهُمُ الْجَوْهَرِيُّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ. وَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، الْمُتَنَاهِي فِي الطُّولِ مِنْ أَمْغَطَ النَّهَارُ إِذَا امْتَدَّ وَمَغَطْتُ الْحَبْلَ وَغَيْرَهُ إِذَا مَدَدْتَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ مَغَطَ وَالنُّونُ لِلْمُطَاوَعَةِ، فَقُلِبَتْ مِيمًا وَأُدْغِمَتْ فِي الْمِيمِ، وَيُقَالُ: بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَاهُ، (وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ) ، أَيِ: الْمُتَنَاهِي فِي الْقِصَرِ كَأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَعْضُ خَلْقِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَانْضَمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَتَدَاخَلَتْ أَجْزَاؤُهُ، (وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ) أَيْ: مُتَوَسِّطًا مِمَّا بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالْبَسْطِ) تَقَدَّمَ بَيَانُ مَبْنَاهُ وَتَبَيَّنَ مَعْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: (كَانَ جَعْدًا رَجِلًا) ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُفْتَحُ وَيُسْكَنُ أَيْ: لَمْ يَكُنْ شَدِيدَ الْجُعُودَةِ وَلَا السُّبُوطَةِ (وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَيِ: الْفَاحِشِ السَّمِينِ، وَقِيلَ النَّحِيفُ الْجِسْمِ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. قِيلَ: هُوَ الْمُنْتَفِخُ الْوَجْهِ (وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيِ: الْمُدَوَّرُ وَجْهُهُ غَايَةَ التَّدْوِيرِ، بَلْ كَانَ وَجْهُهُ مَائِلًا إِلَى التَّدْوِيرِ وَلِذَا قَالَ: (وَكَانَ فِي الْوَجْهِ) أَيْ: فِي وَجْهِهِ (تَدْوِيرٌ) ، أَيْ: نَوْعُ تَدْوِيرٍ أَوْ تَدْوِيرٌ مَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْإِسَالَةِ وَالِاسْتِدَارَةِ (أَبْيَضُ) أَيْ: هُوَ أَبْيَضُ اللَّوْنِ (مُشْرَبٌ) أَيْ: مَخْلُوطٌ بِحُمْرَةٍ (أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ) ، أَيْ: أَسْوَدُ الْعَيْنَيْنِ مَعَ سِعَتِهِمَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ. وَفِي النِّهَايَةِ: الدَّعَجُ وَالدُّعْجَةُ شِدَّةُ السَّوَادِ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، يُرِيدُ أَنَّ سَوَادَ عَيْنَيْهِ كَانَ شَدِيدًا وَكَأَنَّ الدَّعَجَ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ فِي بَيَاضِهَا. (أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزِ جَمْعُ شُفْرٍ بِالضَّمِّ أَيْ: كَثِيرُ أَطْرَافِ الْجُفُونِ كَثِيرُ الْهُدْبِ عَلَيْهَا، وَالْأَهْدَبُ الرَّجُلُ الْكَثِيرُ أَشْفَارِ الْعَيْنِ، وَأَشْفَارُهَا هِيَ أَطْرَافُ الْجُفُونِ الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الشَّعْرُ وَهُوَ الْهُدْبُ كَذَا حَقَّقَهُ شَارِحٌ. وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ: طَوِيلُ شَعْرِ الْأَجْفَانِ (جَلِيلُ الْمَشَاشِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ عَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ رُءُوسُ الْعِظَامِ الَّتِي يُمْكِنُ مَضْغُهَا. وَقَالَ شَارِحٌ أَيْ عَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ وَالْمَنَاكِبِ (وَالْكَتَدِ) ، أَيْ: وَجَلِيلُهُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَيُكْسَرُ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ، ذَكَرَهُ شَارِحٌ. وَفِي النِّهَايَةِ: هُوَ مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ (أَجْرَدُ) أَيِ: الَّذِي لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ شَعْرٌ، وَلَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ كَانَ فِي أَمَاكِنَ مِنْ بَدَنِهِ، كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ، فَإِنَّ ضِدَّ أَجْرَدَ هُوَ الْأَشْعَرُ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ شَعْرٌ وَقَدْ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: (ذُو مَسْرُبَةٍ) ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَجْرَدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ أَصْحَابِ التَّجَارِبِ مِنَ الْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ: مَنْ لَا يَحْمَدُ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ فِي سَائِرِ أَعْضَائِهِ أَجْرَدَ، وَلَا سِيَّمَا الصَّدْرُ. (شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) ، أَيْ غَلِيظُهُمَا الدَّالُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَطْشِ وَالثَّبَاتِ الْمُشِيرَيْنِ إِلَى صِفَةِ الشَّجَاعَةِ وَنَعْتِ الْعِبَادَةِ. (إِذَا مَشَى يَتَقَلَّعُ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ مُتَدَارِكًا إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، كَمِشْيَةِ أَهْلِ الْجَلَادَةِ، لَا كَالَّذِي يُقَارِبُ الْخُطَا احْتِشَامًا وَاخْتِيَالًا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ يُوصَفْنَ بِهِ. (كَأَنَّمَا يَمْشِي) أَيْ: يَنْحَطُّ (فِي صَبَبٍ) أَيْ: مُنْحَدَرٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قُوَّةِ الْمَشْيِ وَالْمَيْلِ إِلَى الْقُدَّامِ (وَإِذَا الْتَفَتَ) أَيْ: أَرَادَ الِالْتِفَاتَ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ (الْتَفَتَ مَعًا) ، أَيْ: بِكُلِّيَّتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسَارِقُ النَّظَرَ، وَقِيلَ: أَرَادَ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ، وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا أَوْ يُدْبِرُ جَمِيعًا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى الشَّيْءِ تَوَجَّهَ بِكُلِّيَّتِهِ، وَلَا يُخَالِفُ بِبَعْضِ جَسَدِهِ بَعْضًا كَيْلَا يُخَالِفَ بَدَنُهُ قَلْبَهُ وَقَصْدُهُ مَقْصِدَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّلَوُّنِ وَآثَارِ الْخِفَّةِ. (بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ) ، جُمْلَةٌ مِنْ خَبَرٍ وَمُبْتَدَأٍ (وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا) ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute