للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَكُونُ مَا رَآهُ مِنْ جِنْسِ الْكِهَانَةِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَذَلِكَ قَبْلَ حُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُ مَلَكٌ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ الْمَوْتُ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ، وَقِيلَ الْمَرَضُ، وَقِيلَ الْعَجْزُ عَنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَقِيلَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ، وَقِيلَ أَنْ يُعَيِّرُوهُ. (فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا) ، هِيَ كَلِمَةُ رَدْعٍ أَيْ: لَا تَظُنَّ ذَلِكَ، أَوْ لَا تَخَفْ أَوْ مَعْنَاهُ حَقًّا، فَقَوْلُهَا (وَاللَّهِ) : لِلتَّأْكِيدِ وَتَأْيِيدٌ لِلتَّأْبِيدِ، لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا) ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعَقِيلٍ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَضَمُّهَا، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ فَتْحَ الْيَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ بِخِلَافِ ضَمِّ الْيَاءِ، فَإِنَّهُ مَعَ كَسْرِ الزَّايِ كَمَا قُرِئَ بِهَا مُتَوَاتِرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: ٦٥] وَنَحْوَهُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى: فَمِنَ الْإِخْزَاءِ بِمَعْنَى الْإِفْضَاحِ وَالْإِهَانَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: ٨] (إِنَّكَ) : بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ شَائِبَةُ تَعْلِيلٍ (لَتَصِلُ الرَّحِمَ) ، أَيْ: وَلَوْ قَطَعُوكَ (وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ) ، بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ: تَتَكَلَّمُ بِصِدْقِ الْكَلَامِ وَلَوْ كَذَّبُوكَ أَوْ كَذَّبُوكَ (وَتَحْمِلُ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ (الْكَلَّ) : بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ وَقَدْ يُعَبِّرُ عَنِ الثَّقِيلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: ٧٦] وَالْمَعْنَى أَنَّكَ تَتَحَمَّلُ مُؤْنَةَ الْكَلِّ، وَتَقْبَلُ مِحْنَةَ الْكَلِّ، وَإِنْ تَرَكُوكَ وَلَمْ يُسَاعِدُوكَ، وَيَدْخُلُ فِي حَمْلِ الْكَلِّ الْإِنْفَاقُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَرَامِلِ وَالْعِيَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. (وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ) ، بِفَتْحِ التَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَرُوِيَ بِضَمِّهَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَالْمَعْنَى تُحَصِّلُ الْمَالَ لِلْخَيْرِ، أَوْ تُعْطِي الْمُحْتَاجَ، فَكَأَنَّ الْفَقِيرَ مَعْدُومٌ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي نَظَرِ الْغَنِيِّ، أَوْ لِأَنَّ الْفَقْرَ يَقْتَضِي الْفَنَاءَ وَالْإِسْكَانَ، كَمَا أَنَّ الْغِنَى يُوجِبُ الظُّهُورَ وَالتَّحَرُّكَ وَالطُّغْيَانَ. (وَتَقْرِي) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: تُطْعِمُ (الضَّعِيفَ) ، أَيِ: النَّازِلَ بِكَ (وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) ، أَيِ: الْحَوَادِثِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِتَقْدِيرِ الْحَقِّ أَيْ: يُنَابُ فِيهَا، وَقِيلَ: النَّوَائِبُ جَمْعُ النَّائِبَةِ وَهِيَ الْحَادِثَةُ، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْحَقِّ لِأَنَّ النَّائِبَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الشَّرِّ. قَالَ لَبِيَدٌ:

نَوَائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كِلَاهُمَا ... فَلَا الْخَيْرُ مَمْدُودٌ وَلَا الشَّرُّ لَازِبُ

هَذَا مُجْمَلُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَأَمَّا تَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ عُلَمَاءُ الْأَعْلَامِ، فَقَدْ قَالَ ثَعْلَبٌ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا: يُقَالُ: كَسَبْتَ الرَّجُلَ مَالًا وَأَكْسَبْتَهُ مَالًا لُغَتَانِ، أَفْحَمُهُمَا كَسَبْتَهُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ، فَمَعْنَى الضَّمِّ تُكْسِبُ غَيْرَكَ الْمَالَ الْمَعْدُومَ، أَيْ: تُعْطِيهِ إِيَّاهُ تَبَرُّعًا، فَحُذِفَ الْمَوْصُوفُ، وَأُقِيمَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى تُعْطِي النَّاسَ مَالًا يَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ نَفَائِسِ الْفَوَائِدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، أَوْ تُصِيبُ مِنْهُ مَا يَعْجَزُ غَيْرُكَ عَنْ تَحْصِيلِهِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِكَسْبِ الْمَالِ، لَا سِيَّمَا قُرَيْشٍ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَغْبُوطًا فِي تِجَارَتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُضَمَّ مَعَهُ زِيَادَةٌ، فَمَعْنَاهُ تَكْسِبُ الْمَالَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَعْجَزُ غَيْرِي عَنْهُ، ثُمَّ تَجُودُ بِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْمَكَارِمِ، كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ حَمْلِ الْكَلِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَغَيْرِهِمَا، وَصَاحِبُ التَّحْرِيرِ جَعَلَ الْمَعْلُومَ عِبَارَةً عَنِ الرَّجُلِ الْمُحْتَاجِ الْمَعْلُومِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ، وَسَمَّاهُ مَعْلُومًا لِكَوْنِهِ كَالْمَعْلُومِ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مَعِيشَةِ الْحَيَاةِ اهـ.

وَقِيلَ: الصَّوَابُ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ أَيْ تُعْطِي الْعَائِلَ وَتَمْنَحُهُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَفْعَالِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمَعْدُومُ هِيَ اللَّفْظَةُ الصَّحِيحَةُ بَيْنَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ، وَأَجْرَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى التَّوَسُّعِ، فَرَأَى أَنَّهُ نَزَّلَ الْعَائِلَ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ مُبَالَغَةً فِي الْعَجْزِ كَقَوْلِكَ لِلْبَخِيلِ وَالْجَبَانِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ: وَيَكْسِبُ مِنْ كَسَبْتَ زِيدًا مَالًا أَوْ كَسَبْتَ مَالًا، وَيَجُوزُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَكْسَبْتَ زِيدًا مَالًا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالْأَفْصَحُ كَسَبْتَهُ، فَمَعْنَى تَكْسِبُ إِنْ جُعِلَ مُتَعَدِّيًا إِلَى وَاحِدٍ أَنَّكَ تَكْسِبُ مَا لَا يَكُونُ مَوْجُودًا وَلَا حَاصِلًا لِنَفْسِكَ، وَتَقْرِي بِهِ الضَّيْفَ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبَبًا لِأَنْ لَا يُخْزِيهِ اللَّهُ أَوْ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَهُوَ الْفَقِيرُ سُمِّيَ مَعْدُومًا لِلْمُبَالَغَةِ، كَأَنَّهُ صَارَ مِنْ غَايَةِ فَقْرِهِ مَعْدُومًا وَالْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ يَكْسِبُهُ وَيَجْعَلُهُ؛ مَوْجُودًا، وَإِنْ جُعِلَ مُتَعَدِّيًا إِلَى اثْنَيْنِ فَالْمَحْذُوفُ إِمَّا الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، أَيْ: تُكْسِبُ غَيْرَكَ الْمَعْدُومَ، أَيْ: يُعْطِيهِ مَالًا يَكُونُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>