٥٨٤٨ - «وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، فَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ - عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ) . قَالَ: (فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٨٤٨ - (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ) أَيْ: هَلْ مَرَّ عَلَيْكَ وَقْتٌ وَزَمَانٌ (كَانَ) أَيْ: صُعُوبَتُهُ (أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ) ، أَيْ: مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، أَوْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الْمُبْهَمُ لِيَذْهَبَ الْوَهْمُ كُلَّ الْمَذْهَبِ فِي الْفَهْمِ، (وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْ) : بِنَصْبِ أَشَدَّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْعَقَبَةِ) : فَبِالنَّصْبِ لَا غَيْرَ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُضَافُ إِلَيْهَا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ. قَالَ شَارِحٌ: أَشَدَّ بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ، وَمَا لَقِيتُ مِنْهُمْ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُهُ، وَيَوْمَ الْعَقَبَةِ ظَرْفُ لَقِيتُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَكَانَ مَا لَقِيتُهُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَشَدَّ مِمَّا لَقِيتُهُ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ اسْمَ كَانَ وَخَبَرُهُ أَشَدَّ مُضَافًا إِلَى (مَا) الْمَوْصُولَةِ أَوِ الْمَوْصُوفَةِ الْمُعَبَّرِ بِهَا عَنِ الْأَيَّامِ، تَقْدِيرُهُ: وَكَانَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَشَدَّ الْأَيَّامِ الَّتِي لَقِيتُ مِنْهُمْ، أَوْ أَشَدَّ أَيَّامٍ لَقِيتُ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَكْسِ، وَقِيلَ: مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ اسْمُ كَانَ، وَيَكُونُ أَشَدُّ خَبَرَهُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ مِنْ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَشَدُّ مَا لَقِيتُ خَبَرُ كَانَ، وَاسْمُهُ عَائِدٌ إِلَى مُقَدَّرٍ، وَهُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ: لَقَدْ لَقِيتُ، وَيَوْمَ الْعَقَبَةِ ظَرْفٌ، فَالْمَعْنَى كَانَ مَا لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ، وَأَرَادَ بِالْعَقَبَةِ الَّتِي بِمِنًى، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقِفُ عِنْدَ الْعَقَبَةِ فِي الْمَوْسِمِ، وَيَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الْإِسْلَامِ اهـ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَا أَجَابُوا ذَلِكَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي) : وَفِي نُسْخَةٍ: إِذْ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَضَعَ إِذَا الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ مَوْضِعَ إِذْ، يَعْنِي الْمَوْضُوعَةَ لِلْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ الْفَظِيعَةِ، وَالْمَعْنَى حِينَ عَرَضْتُ نَفْسِي بِالْأَمَانِ وَالْإِجَارَةِ مِنَ التَّعَرُّضِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ (عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ) : بِكَسْرِ الدَّالِ وَاللَّامِ الْأَوْلَى (بْنِ كُلَالٍ) ، بِضَمِّ الْكَافِ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَالَّذِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ هُوَ عَبْدُ يَالِيلَ نَفْسُهُ، وَعِنْدَ أَهْلِ النَّسَبِ أَنَّ كُلَالًا أَخُوهُ لَا أَبُوهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُ يَالِيلَ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَمْرٍو، وَيُقَالُ اسْمُ ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ مَسْعُودٌ، وَكَانَ ابْنُ عَبْدِ يَالِيلَ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الطَّائِفِ مِنْ ثَقِيفٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَدِمَ مَعَ وَفْدِ طَائِفٍ سَنَةَ عَشْرٍ، فَأَسْلَمُوا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابَةِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ) أَيْ: مَا قَصَدْتُ وَطَلَبْتُ مِنْهُ حِينَئِذٍ مِنَ الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ (فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمُتَعَلِّقِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهِي) ، فَذَهَبْتُ مَهْمُومًا عَلَى جِهَتِي. قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: فَانْطَلَقْتُ حَيْرَانًا هَائِمًا لَا أَدْرِي أَيْنَ أَتَوَجَّهُ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْغَمِّ وَصُعُوبَةِ ذَلِكَ الْهَمِّ. (فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ) ، يُقَالُ: أَفَاقَ وَاسْتَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ وَسُكْرِهِ، بِمَعْنَى أَيْ: فَلَمْ أُفِقْ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ مِنَ الْغَمِّ وَشِدَّةِ الْهَمِّ، حَتَّى بَلَغْتُ قَرْنَ الثَّعَالِبِ، وَالْقَرْنُ: جَبَلٌ، وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ: جَبَلٌ بِعَيْنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، (فَرَفَعْتُ رَأْسِي) أَيْ: إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَمَهْبِطَ الرَّجَاءِ، (فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي) أَيْ: بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ (فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا) أَيْ: فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute