للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ) أَيْ: جِبْرِيلُ (هَذَا أَبُوكَ) أَيْ: جَدُّكَ أَيْ آدَمُ (فَسَلِّمْ عَلَيْهِ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَابِرًا عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ، وَكَانُوا فِي حُكْمِ الْقُعُودِ، وَالْقَائِمُ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَاعِدِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَكَيْفَ لَا، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَقْوَى حَالًا وَأَتَمَّ عُرُوجًا، (فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ) ، أَيْ: رَدًّا جَمِيلًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ حَقِيقَةً. (ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) : قِيلَ: وَبِهَا اقْتَصَرَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، لِأَنَّ الصَّلَاحَ صِفَةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ خَصَائِلِ الْخَيْرِ وَشَمَائِلِ الْكَرَمِ، وَلِذَا قِيلَ: الصَّالِحُ مَنْ يَقُومُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَلِذَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّالِحَ لِهَذَا الْمَقَامِ الْعَالِي، وَالصُّعُودِ الْمُتَعَالِي (ثُمَّ صَعِدَ بِي) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ: طَلَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبْرِيلُ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوِ الْمُصَاحَبَةِ (حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ) : وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ مَسَافَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، (فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ) : فِي تَكْرَارِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَبْوَابِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ بُسِطَ لَهُ الزَّمَانُ وَطُوِيَ لَهُ الْمَكَانُ، وَاتَّسَعَ لَهُ اللِّسَانُ، وَانْتَشَرَ لَهُ الشَّأْنُ فِي ذَلِكَ الْآنِ بِعَوْنِ الرَّحْمَنِ. (فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ) : جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مُحْتَمِلَةٌ أَنَّ تَكُونَ مِنْ أَصْلِ الْحَدِيثِ، وَأَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةً مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، هَذَا وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ: الْمَرْئِيُّ كَأَنَّ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَشَكِّلَةٌ بِصُوَرِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، إِلَّا عِيسَى فَإِنَّهُ مَرْئِيٌّ بِشَخْصِهِ، وَسَبَقَهُ التُّورِبِشْتِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَرُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَاوَاتِ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ أُبْهِمَ يُحْمَلُ عَلَى رُؤْيَةِ رُوحَانِيَّتِهِمُ الْمُمَثَّلَةِ بِصُوَرِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا غَيْرَ عِيسَى فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا. قُلْتُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَمُوتُونَ كَسَائِرِ الْأَحْيَاءِ، بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ دَارِ الْفَنَاءِ إِلَى دَارِ الْبَقَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْأَنْبَاءُ، وَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

(قَالَ) أَيْ: جِبْرِيلُ (هَذَا يَحْيَى) : قَدَّمَهُ لِسَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ (وَهَذَا عِيسَى) : خَتَمَ بِهِ لِأَنَّهُ أَتَمُّ فِي الشُّهُودِ وَخَاتِمَةُ أَرْبَابِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ. (السَّلَامُ عَلَيْهِمَا) . أَيْ: جُمْلَةً أَوْ عَلَى حِدَةٍ (فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا) ، أَيِ: السَّلَامَ عَلَيَّ بِأَحْسَنِ رَدٍّ (ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] وَلِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ، مِنْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ. (وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ) : فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمُ الِاسْتِعْلَاءُ إِلَّا بِالِاسْتِئْذَانِ الْمَلَكِيِّ وَالْفَتْحِ الْإِلَهِيِّ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ كَالْمَلَائِكَةِ لَهُمْ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، وَحَالٌ مَفْهُومٌ، لَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ) أَيْ: رَدًّا حَسَنًا (ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ) : وَهَذَا التَّكْرَارُ، وَالْبَيَانُ عَلَى وَجْهِ التَّكْثِيرِ يُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ:

أَعِدْ ذِكْرَ نُعْمَانَ لَنَا إِنَّ ذِكْرَهُ هُوَ الْمِسْكُ مَا كَرَّرْتَهُ يَتَضَوَّعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>