(قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَبُو ذَرٍّ مَرْفُوعًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ) أَيِ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ) ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُ هَارُونَ، وَيَحْيَى، وَيُوسُفَ، وَيُحْتَمَلُ إِسْقَاطُهُمْ مِنَ الرِّوَايَةِ. (وَلَمْ يُثْبِتْ) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْإِثْبَاتِ أَيْ: لَمْ يُبَيِّنْ أَبُو ذَرٍّ أَوِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا) ، هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) . هَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ، وَالثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ غَيْرُهَا، وَهُوَ أَنَّهُ فِي السَّابِعَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: بِتَعَدُّدِ الْمِعْرَاجِ، فَلَا إِشْكَالَ، وَإِلَّا فَالْأَرْجَحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا: إِنَّهُ رَآهُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَهُوَ فِي السَّابِعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَلِأَنَّهُ قَالَ هُنَا: إِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، فَرِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَ أَرْجَحُ.
(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) أَيِ: الزُّهْرِيُّ (فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، رَوَى عَنْ أَبِي حَبَّةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ أَبُوهُ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ حَيْثُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَبُوهُ أَنْصَارِيٌّ، وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ بِنَجْرَانَ، وَكَانَ أَبُوهُ عَامِلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَجْرَانَ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ فَقِيهًا، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ. قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَفِي الْمَصَابِيحِ بِالْيَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هُنَا، وَفِي ضَبْطِهِ وَاسْمِهِ اخْتِلَافٌ. قِيلَ: حَيَّةُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، وَقِيلَ بِالنُّونِ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: عَامِرٌ، وَقِيلَ مَالِكٌ، وَقِيلَ ثَابِتٌ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ ثَابِتُ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ، وَفِي كُنْيَتِهِ وَاسْمِهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَحَبَّةُ بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْأَكْثَرُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ. (كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ) أَيْ: عَلَوْتُ (لِمُسْتَوًى) : بِفَتْحِ الْوَاوِ مُنَوَّنًا وَهُوَ الْمُسْتَقَرُّ وَمَوْضِعُ الِاسْتِعْلَاءِ، مِنِ اسْتَوَى الشَّيْءَ اسْتَعْلَاهُ، وَثُبُوتُ الْيَاءِ بَعْدَ الْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صِيغَةُ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ أَيْ: عَلَوْتُ لِاسْتِعْلَاءِ مُسْتَوًى، أَوْ لِرُؤْيَتِهِ أَوْ لِمُطَالَعَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَصْدَرِ، أَيْ: ظَهَرْتُ ظُهُورَ الْمُسْتَوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى إِلَى. قَالَ تَعَالَى: {أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: ٥] أَيْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ بِمَعْنَى (عَلَى) (أَسْمَعُ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ (صَرِيفَ الْأَقْلَامِ) . أَيْ صَوْتَهَا عِنْدَ الْكِتَابَةِ، قِيلَ: هُوَ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَرَيَانِهَا بِالْمَقَادِيرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْبَكْرَةُ عِنْدَ الِاسْتِعْلَاءِ يُقَالُ: صَرَفَتِ الْبَكْرَةُ تَصْرِفُ صَرِيفًا، وَالْمَعْنَى أَنِّي أَقَمْتُ مَقَامًا بَلَغْتُ فِيهِ مِنْ رِفْعَةِ الْمَحَلِّ إِلَى حَيْثُ اطَّلَعْتُ عَلَى الْكَوَائِنِ، وَظَهَرَ لِي مَا يُرَادُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ، وَهَذَا وَاللَّهِ هُوَ الْمُنْتَهَى الَّذِي لَا تَقَدُّمَ فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، كَذَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُسْتَوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الْمِصْعَدُ، وَقِيلَ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي، وَصَرِيفُ الْأَقْلَامِ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ صَوْتُ مَا يَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَقْضِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ، وَمَا يَنْسَخُونَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُرْفَعَ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِصِحَّةِ كِتَابَةِ الْوَحْيِ، وَالْمَقَادِيرِ فِي كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِالْأَقْلَامِ الَّتِي هُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْآيَاتُ، لَكِنَّ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ، وَصُورَتَهُ هُنَا لَا يَعْلَمُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا يَتَأَوَّلُ هَذَا وَيُحِيلُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا ضَعِيفُ النَّظَرِ وَالْإِيمَانِ، إِذْ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَدَلَائِلُ الْعُقُولِ لَا تُحِيلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute