٥٨٦٥ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: ١٦] . قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَّا يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٥٨٦٥ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( «قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ» ) ، قَالَ شَارِحٌ: وَهِمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي السَّادِسَةِ، وَالصَّوَابُ فِي السَّابِعَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْجُمْهُورِ مِنَ الرُّوَاةِ اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّ إِضَافَةَ السَّهْوِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ عِلْمَ الْخَلَائِقِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي السَّادِسَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ. قَالَ الْقَاضِي: كَوْنُهَا فِي السَّابِعَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهُ الْمَعْنَى وَتَسْمِيَتُهَا بِالْمُنْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي السَّادِسَةِ وَمُعْظَمُهَا فِي السَّابِعَةِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْعِظَمِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ: السِّدْرَةُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قَدْ أَظَلَّتِ السَّمَاوَاتِ وَالْجَنَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ مُقْتَضَى خُرُوجِ النَّهْرَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ مِنْ أَصِلِ الْمُنْتَهَى أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُ هَذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (إِلَيْهَا) أَيْ: إِلَى السِّدْرَةِ (يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ) أَيْ: مَا يُصْعَدُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَرْوَاحِ الْكَائِنَةِ فِي الْجُمَّةِ السُّفْلَى (فَيُقْبَضُ مِنْهَا) ، بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقَابِضِ وَاتِّحَادُهُ فِيهِمَا (وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ مِنْ فَوْقِهَا) أَيْ: مِنَ الْوَحْيِ وَالْأَحْكَامِ النَّازِلَةِ مِنَ الْجِهَةِ الْعُلْيَا (فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ) أَيْ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: ١٦] قَالَ) أَيِ: ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: مَا يَغْشَى (فَرَاشٌ) أَيْ: هُوَ فَرَاشٌ (مِنْ ذَهَبٍ) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ غَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ فِي مَوْقِعِ قَوْلِهِ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: ١٦] فِي إِرَادَةِ الْإِبْهَامِ وَالتَّهْوِيلِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: ٧٨] فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ، قَوْلُهُ هُنَا: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، بَيَانٌ لَهُ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ مَا يُغْشَى أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَاطَ بِهَا وَيُسْتَقْصَى، لِأَنَّ نَفْسَ السِّدْرَةِ إِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُنْتَهَى، فَكَيْفَ يَكُونُ إِحَاطَةُ الْعِلْمِ بِمَا فَوْقَهَا مِمَّا يُغْشَى، وَهُوَ لَا يُنَافِي ذِكْرَ بَعْضِ مَا رَأَى وَرُؤِيَ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالِ. فَقِيلَ: يَغْشَاهَا جَمٌّ غَفِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ) وَقِيلَ: فِرَقٌ مِنَ الطَّيْرِ الْخُضْرِ وَهِيَ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ: لَا أَدْرِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تُشْبِهُ الْأَعْيَانَ الْمَشْهُودَةَ الْمُسْتَحْقَرَةَ فِي النُّفُوسِ الْمَوْجُودَةِ، فَيُنْعَتُ لَهُمْ بِذِكْرِ نَظَائِرِهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفَرَاشَ بِالْفَتْحِ طَيْرٌ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: ٤] وَقَدْ قَالَ شَارِحٌ: الْفَرَاشُ مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ وَيَتَسَاقَطُ فِي النَّارِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَرَاشِ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا مِمَّا غَشِيَهَا اهـ وَتَبَيَّنَ الْبَوْنُ الْبَيِّنُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: ٧٨] حَيْثُ إِنَّهُ وَقَعَ الْإِبْهَامُ هُنَا لِتَعْظِيمَهُ، وَالْعَجْزِ عَنْ إِحَاطَتِهِ، وَفِي قَضِيَّةِ فِرْعَوْنَ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْلُومِيَّتِهِ وَحَقَارَتِهِ.
(قَالَ) أَيِ: ابْنُ مَسْعُودٍ (فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَالْحَالِ (ثَلَاثًا) أَيْ: لَهَا عَلَى مَا عَدَاهَا مَزِيَّةٌ كَامِلَةٌ (أُعْطِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ) أَيْ: فَرْضِيَّتَهَا (وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) ، أَيْ إِجَابَةَ دَعَوَاتِهَا، فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَيْنَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ أَيْ صَوْتًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ. قُلْتُ: لَا.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute