شَيْئًا حَتَّى أَنَّ بَكْرَةً كَانَتْ لِأَبِيهِمْ أَخَذُوهَا مَعَهُمْ، فَقَالَ مَنْ وَرَاءَهُمْ جَاءُوا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، فَصَارَ ذَلِكَ مَثَلًا فِي قَوْمٍ جَاءُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَكْرَةٌ، وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ، فَاسْتُعِيرَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (بِظُعُنِهِمْ) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي جَمَاعَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّذِينَ يَظْعُنُونَ أَيْ: يَرْتَحِلُونَ. كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ. وَقَالَ الْجَزَرِيُّ، أَيْ: بِنِسَائِهِمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَلَى أَنَّهَا جَمْعُ الظَّعِينَةِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ مَا دَامَتْ فِي الْهَوْدَجِ وَقِيلَ: هِيَ الْهَوْدَجُ كَانَتْ فِيهَا امْرَأَةٌ أَوْ لَا. وَهُوَ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ مُقَبَّبٌ وَغَيْرُ مُقَبَّبٍ (وَنَعَمِهِمْ) ، بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَبِأَمْوَالِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ (اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ) ، أَيْ: مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ (فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، أَيْ: مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْنِ صَنِيعِهِ سُبْحَانَهُ (وَقَالَ: تِلْكَ) أَيْ: تِلْكَ الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَمْوَالِ (غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) : لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّقْيِيدِ احْتِيَاطًا (ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا) ؟ بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ: يَحْفَظُ عَسْكَرَنَا مِنَ الْبَيَاتِ (اللَّيْلَةَ) ؟ أَيِ الْآتِيَةَ. (قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ (الْغَنَوِيُّ) : بِفَتْحَتَيْنِ (أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قَالَ الْمُؤَلِّفُ: شَهِدَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا، وَمَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَلَهُ وَلِأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ صُحْبَةٌ، وَاسْمُ أَبِي مَرْثَدٍ كَنَازٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِالزَّايِ، وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ أُنَيْسٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَكْثَرُ، يُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) . وَقِيلَ: غَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ: ارْكَبْ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ فَقَالَ: اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ) ، أَيْ: سُنَّةَ الصُّبْحِ (ثُمَّ قَالَ: هَلْ حَسِسْتُمْ) : بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: أَدْرَكْتُمْ بِالْحِسِّ (فَارِسَكُمْ) ؟ بِأَنْ رَأَيْتُمُوهُ أَوْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ؟ (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَسِسْنَا) ، أَيْ مَا عَرَفْنَا لَهُ خَبَرًا، وَلَا رَأْيَنَا لَهُ أَثَرًا (فَثُوِّبَ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ أُقِيمَ (بِالصَّلَاةِ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْأَصْلُ فِي التَّثْوِيبِ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مُسْتَصْرِخًا، فَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ لِيُرَى وَيُشْتَهَرَ فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا لِذَلِكَ وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ، (فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْمَعْنَى فَشَرَعَ حَالَ الصَّلَاةِ (يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ) ، أَيْ: يَمِيلُ بِطَرْفِ عَيْنِهِ إِلَى جِهَةِ الطَّرِيقِ فِي الْجَبَلِ (حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ) ، أَيْ: أَدَّاهَا وَفَرَغَ مِنْهَا (قَالَ: أَبْشِرُوا، فَقَدْ جَاءَ فَارِسُكُمْ) . الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى خِلَالِ الشَّجَرِ فِي الشِّعْبِ) ، بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ الْخَلَلِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ (فَإِذَا هُوَ) أَيِ: الْفَارِسُ (قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: رَاكِبًا أَوْ نَازِلًا (قَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَا يَخْفَى حُسْنُ الْعُدُولِ عَنْ قَوْلِهِ حَيْثُ أُمِرْتُ (فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَعْتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا) ، أَيْ: أَتَيْتُ طَرِيقَيِ الْجَبَلِ وَجَوَانِبِهِمَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَحَدٌ مَخْفِيًّا (فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ نَزَلْتَ) ، أَيْ: عَنِ الدَّابَّةِ (اللَّيْلَةَ) ؟ أَيِ الْبَارِحَةَ وَهِيَ الْمَاضِيَةُ (قَالَ: لَا إِلَّا مُصَلِّيَا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ) . أَيْ: مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَا عَلَيْكَ) ، أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ (فِي أَنْ لَا تَعْمَلَ) أَيْ: مِنَ النَّوَافِلِ وَالْفَضَائِلِ (بَعْدَهَا) . أَيْ: بَعْدَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الَّتِي فَعَلْتَهَا، فَإِنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَكَ فَضِيلَةٌ كَافِيَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ. وَفِيهِ بِشَارَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ النَّظَرِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ بِأَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنَ الْمِيرَاثِ وَالْخَيْرَاتِ، فَإِنَّ عَمَلَكَ اللَّيْلَةَ كَافِيَةٌ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ مَثُوبَةً وَفَضِيلَةً، وَأَرَادَ النَّوَافِلَ وَالتَّبَرُّعَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ لَا الْفَرَائِضَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جُبْرَانًا لِقَلْبِهِ وَتَسْلِيَةً لَهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute