للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٩٣٨ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ، يَقُولُ: (هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) . قَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، قَالَ: (يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ! هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا) . فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ قَالَ: (مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٥٩٣٨ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ) ، أَيْ: فَطَلَبْنَا رُؤْيَتَهُ (وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ) ، أَيِ: الْهِلَالَ (غَيْرِي، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَّا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِقَوْلِهِ: فَجَعَلْتُ أَيْ: طَفِقْتُ أُرِيهِ الْهِلَالَ، فَهُوَ لَا يَرَاهُ، فَأَقْحَمَ جَعَلَ مُشَاكَلَةً، كَمَا أُقْحِمَ {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: ١٨٨] تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} [آل عمران: ١٨٨] انْتَهَى، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: التَّقْدِيرُ فَجَعَلَ عُمَرُ يُطَالِعُ فِي السَّمَاءِ حَالَ كَوْنِهِ لَا يَرَاهُ. (قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ) ، أَيْ: بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ (سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي) ، الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى سَأَرَاهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَيْسَ لِي إِلَى رُؤْيَتِهِ الْآنَ حَاجَةٌ. قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: لَا يُهِمُّنِي الْآنَ رُؤْيَتَهُ بِتَعَبٍ سَأَرَاهُ بَعْدُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ (ثُمَّ أَنْشَأَ) ، أَيِ: ابْتَدَأَ (عُمَرُ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرِينَا) : بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ: يُعْلِمُنَا (مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ) ، أَيْ: مَوَاضِعَ طَرْحِهِمْ وَصَرْعِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ (بِالْأَمْسِ) ، أَيْ بِأَمْسِ الْقَضِيَّةِ لَا الْحِكَايَةِ (يَقُولُ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ) ، أَيْ: غَدًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) . يَعْنِي وَهَكَذَا إِلَى أَنْ بَيَّنَ مَصَارِعَ سَبْعِينَ مِنْهُمْ. (قَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي بَعَثَهُ) ، أَيِ: النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالْحَقِّ) ، أَيْ: بِالصِّدْقِ (مَا أَخْطَأُوا) ، أَيْ: مَا تَجَاوَزُوا الْمَذْكُورَ (الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا) ، أَيِ: الْمَوَاضِعَ الَّتِي بَيَّنَهَا وَعَيَّنَهَا (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ: مَا أَخْطَأُ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، فَالْمَعْنَى مَا أَغْلَطُهَا، بَلْ أَحْفَظُهَا وَأَعْرِفُهَا، لَكِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ الْوَاوِ عَنْ رَسْمِ الْكِتَابَةِ، وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بِنَاءِ الْغَائِبِ الْمُذَكَّرِ الْمُفْرَدِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ) ، أَيْ: عُمَرُ (فَجُعِلُوا) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَأُلْقُوا (فِي بِئْرٍ) ، أَيْ مَهْجُورَةٍ. (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ) : بِفَتْحِ النُّونَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَهُمَا كِنَايَتَانِ عَنِ الْعَلَمَيْنِ (وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَهَكَذَا) : إِلَى أَنْ نَادَى كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ أَكْثَرَهُمْ أَوْ أَقَلَّهُمْ (هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا) . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ، إِمَّا بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ بِبَيَانِ الْحَالِ. (فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا) ؟ أَيْ: بِظَاهِرِهَا أَوْ بِكَمَالِهَا (فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ) ، مُتَعَلِّقٌ بِأَسْمَعَ، وَالْمَعْنَى لَسْتُمْ بِأَقْوَى أَوْ أَكْثَرَ سَمَاعًا مِنْهُمْ لِمَا أَقُولُهُ لَهُمْ (غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا) . أَيْ مِنَ الْجَوَابِ مُطْلَقًا، أَوْ بِحَيْثُ أَنَّكُمْ تَسْمَعُونَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>