والقول الثاني: أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ , وإن كان غير قاصدٍ له , كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً , وهو قول سعيد بن المسيب. والقول الثالث: أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي , وتأول قوله:{وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}[طه: ١١٥] أي فَزَلَّ , ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ. والرابع: أنه أكل منها على جهة التأويل , فصار عاصياً بإغفال الدليل , لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر , ولقوله تعالى في إبليس:{فَدَلَاّهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف: ٢٢] وهو ما صرفهما إليه من التأويل. واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل , على ثلاثةِ أقاويلَ: أحدها: أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم. والثاني: أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها , وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ. والثالث: أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: ٢٣]. قوله عز وجل:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}. قرأ حمزة وحده:{فَأَزَالَهُمَا} بمعنى نحَّاهُما من قولك: زُلْتُ عن المكان , إذا تنحَّيْتَ عنه , وقرأ الباقون:{فَأَزَلَّهُمَا} بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل , وهو الخطأ , سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ , وكذلك الزّلة زوال عن الحق , وأصله الزوال.