لأنهم رأوا منه خلاف عادته وعادة الملوك في السطوة بمن أظهر العناد وخالف , وكان ذلك من لطف الله بموسى. وفي قوله:{لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} وجهان: أحدهما: ليفسدوا فيها بعبادة غيرك والدعاء إلى خلاف دينك. والثاني: ليفسدوا فيها بالغلبة عليها وأخذ قومه منها. ثم قالوا:{وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ} فإن قيل: فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات: ٢٤]. قيل الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه كان يعبد الأصنام وكان قومه يعبدونه , قاله الحسن. والثاني: أنه كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى , وكان معبوداً في قومه , قاله السدي. والثالث: أنها كنت أصناماً يعبدها قومه تقرباً إليه , قاله الزجاج. وقرأ ابن عباس {وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ} أي وعبادتك. قال الحسن: وكان فرعون يَعبُد ويُعبَد. وعلى هذه القراءة يسقط السؤال. وذكر ابن قتيبة في هذه القراءة تأويلاً ثانياً؛ أن الإلاهة الشمس , والعرب تسمي الشمس الإلاهة واستشهد بقول الأعشى:
يعني الشمس , فيكون تأويل الآية: ويذرك والشمس حتى تعبد فعلى هذا يكون السؤال متوجهاً عنه ما تقدم. {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ} وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لأنه علم أنه لا يقدر عل قتل موسى إما لقوته وإما تصوره أنه مصروف عن قتله , فعدل إلى قتل الأبناء ليستأصل قوم موسى من بني إسرائيل فيضعف عن فرعون {وَنَسْتَحِيي نِسَاءَهُمُ} فيه قولان: