وقوله:{اذْكُروا نِعْمَتِيَ} والذكر اسم مشترك , فالذكر بالقلب ضد النسيان , والذكر باللسان ضد الإنصات , والذكر الشرف , وقال الكسائي: ما كان بالقلب فهو مضموم الذال , وقال غيره: هو لغتان: ذِكر وذُكر , ومعناهما واحد. والمراد بالآية الذكر بالقلب , وتقديره: لا تغفلوا عن نعمتي , التي أنعَمْتُ عليكم ولا تَنَاسَوْها. وفي النعمة التي أنعمها عليهم قولان: أحدهما: عموم نِعَمِهِ الَّتي أنعم بها على خلْقِهِ , كما قال تعالى:{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}[النحل: ١٨]. والثاني: وهو قول الحسن البصري , أنه أراد نِعَمَهُ عَلَى آبائهم , إذ نجَّاهم من آل فرعون , وجعل منهم الأنبياء , وأنزل عليهم الكتب , وفجَّر لهم الحَجَرَ , وأنزل عليهم المنَّ والسلوى , والنعم على الآباء , نعم على الأبناء , لأنهم يَشْرُفون بشرف آبائهم. وفي قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قولان: أحدهما: أوفوا بعهدي الذي أخذتُ عليكم من الميثاق , أن تؤمنوا بي وتصدقوا رُسُلي , أُوفِ بعهدكم على ما وعدتكم من الجنة. والثاني: قاله عبد الله بن عباس: أَوْفُوا بما أَمَرْتُكم , أُوفِ بما وَعَدْتُكم إِيَّاهُ. وفي تسمية ذلك عهداً قولان: أحدهما: لأنه عَهْدُهُ في الكتب السالفةِ. والثاني: أنه جعله كالعهد , الذي هو يمين لِلُزُوم الوفاءِ بهما معاً. قوله عز وجل:{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} يعني من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم , {مُصَدٍِّقاً لِمَا مَعَكُمْ} يعني من التوراة , وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: مصدقاً لما في التوراة , من توحيد الله وطاعته. والثاني: مصدقاً لما في التوراة , أنها من عند الله. والثالث: مصدقاً لما في التوراة من ذكر القرآن , وبَعْثِهِ مُحمداً صلى الله عليه وسلم نبيّاً.